فصل
قال الفخر :
﴿ فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (٤٧) ﴾
اعلم أنه تعالى قال في الآية الأولى :﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الله غافلا عَمَّا يَعْمَلُ الظالمون﴾ [ إبراهيم : ٤٢ ] وقال في هذه الآية :﴿فَلاَ تَحْسَبَنَّ الله مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ﴾ والمقصود منه التنبيه على أنه تعالى لو لم يقم القيامة ولم ينتقم للمظلومين من الظالمين، لزم إما كونه غافلاً وإما كونه مخلفاً في الوعد، ولما تقرر في العقول السليمة أن كل ذلك محال كان القول بأنه لا يقيم القيامة باطلاً وقوله :﴿مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ﴾ يعني قوله :﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا﴾ [ غافر : ٥١ ] وقوله :﴿كَتَبَ الله لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِى﴾ [ المجادلة : ٢١ ].
فإن قيل : هلا قيل مخلف رسله وعده، ولم قدم المفعول الثاني على الأول ؟
قلنا : ليعلم أنه لا يخلف الوعد أصلاً، إن الله لا يخلف الميعاد، ثم قال :﴿رُسُلَهُ﴾ ليدل به على أنه تعالى لما لم يخلف وعده أحداً وليس من شأنه إخلاف المواعيد فكيف يخلفه رسله الذين هم خيرته وصفوته، وقرىء :﴿مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ﴾ بجر الرسل ونصب الوعد، والتقدير : مخلف رسله وعده، وهذه القراءة في الضعف، كمن قرأ قتل أولادهم شركائهم ثم قال :﴿إِنَّ الله عَزِيزاً﴾ أي غالب لا يماكر ذو انتقام لأوليائه.
﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (٤٨) ﴾
اعلم أن الله تعالى لما قال :﴿عَزِيزٌ ذُو انتقام﴾ بين وقت انتقامه فقال :﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض﴾ وعظم من حال ذلك اليوم، لأنه لا أمر أعظم من العقول والنفوس من تغيير السموات والأرض وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى :
ذكر الزجاج في نصب يوم وجهين، إما على الظرف لانتقام أو على البدل من قوله :﴿يَوْمَ يَأْتِيهِمُ العذاب ﴾.