وأما قوله :﴿فِى الأصفاد﴾ ففيه وجهان : أحدها : أن يكون ذلك متعلقاً بمقرنين، والمعنى : يقربون بالأصفاد.
والثاني : أن لا يكون متعلقاً به، والمعنى : أنهم مقرنون مقيدون، وحظ العقل معلوم مما سلفت الإشارة إليه.
الصفة الثانية : قوله تعالى :﴿سَرَابِيلُهُم مّن قَطِرَانٍ﴾ السرابيل جمع سربال وهو القميص، والقطران فيه ثلاث لغات : قطران وقطران وقطرن، بفتح القاف وكسرها مع سكون الطاء وبفتح القاف وكسر الطاء، وهو شيء يتحلب من شجر يسمى الأبهل فيطبخ ويطلى به الإبل الجرب فيحرق الجرب بحرارته وحدته، وقد تصل حرارته إلى داخل الجوف، ومن شأنه أن يتسارع فيه اشتعال النار، وهو أسود اللون منتن الريح فتطلى به جلود أهل النار حتى يصير ذلك الطلي كالسرابيل، وهي القمص فيحصل بسببها أربعة أنواع من العذاب، لذع القطران وحرقته، وإسراع النار في جلودهم واللون الوحش ونتن الريح، وأيضاً التفاوت بين قطران القيامة وقطران الدنيا كالتفاوت بين النارين، وأقول حظ العقل من هذا أن جوهر الروح جوهر مشرق لامع من عالم القدس وغيبة الجلال، وهذا البدن جارٍ مجرى السربال والقميص له، وكل ما يحصل للنفس من الآلام والغموم، فإنما يحصل بسبب هذا البدن، فلهذا البدن لذع وحرقة في جوهر النفس، لأن الشهوة والحرص والغضب إنما تتسارع إلى جوهر الروح بسببه، وكونه للكثافة والكدورة والظلمة هو الذي يخفي لمعان الروح وضوءه وهو سبب لحصول النتن والعفونة، فتشبه هذا الجسد بسرابيل من القطران والقطر، وقرأ بعضهم ﴿مّن قَطِرآن﴾ والقطر النحاس أو الصفر المذاب والآني المتناهي حره.
قال أبو بكر بن الأنباري : وتلك النار لا تبطل ذلك القطران ولا تفنيه كما لا تهلك النار أجسادهم والأغلال التي كانت عليهم.


الصفحة التالية
Icon