وقال ابن عطية :
قوله :﴿ فلا تحسبن الله ﴾ الآية،
تثبيت للنبي عليه السلام ولغيره من أمته، ولم يكن النبي عليه السلام ممن يحسب مثل هذا، ولكن خرجت العبارة هكذا، والمراد بما فيها من الزجر من شارك النبي عليه السلام في أن قصد تثبيته.
وقرأ جمهور الناس " مخلف وعده " بالإضافة، " رسلَه " بالنصب، وإضافة " مخلف " إلى الوعد، إذ للإخلاف تعلق بالوعد على تجوز، وإنما حقيقة تعلقه بالرسل، وهذا نحو قول الشاعر :[ الطويل ]
ترى الثور فيها مدخل الظل رأسه... وسائره باد إلى الشمس أجمع
وكقولك : هذا معطي درهم زيداً. وقرأت فرقة :" مخلف وعدَه رسلِه " بنصب الوعد وخفض الرسل، على الإضافة، وهذه القراءة ذكرها الزجاج وضعفها، وهي تحول بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول، وهي كقول الشاعر :[ مجزوء الكامل ]
فزججتها بمزجّة... زج القلوص أبي مزادة
وأما إذا حيل في نحو هذا بالظرف فهو أشهر في الكلام كما قال الشاعر :
لله در اليوم من لامها... وقال آخر :[ الوافر ]
كما خط الكتاب بكفِّ يوماً... يهوديٍّ يقارب أو يزيل
والمعنى : لا تحسب يا محمد - أنت ومن اعتبر بالأمر من أمتك وغيرهم - أن الله لا ينجز ميعاده في نصره رسله، وإظهارهم، ومعاقبة من كفر بهم، في الدنيا أو في الآخرة، فإن الله عزيز لا يمتنع منه شيء، ذو انتقام من الكفرة لا سبيل إلى عفوه عنهم.
وقوله :﴿ يوم تبدل الأرض ﴾ الآية، ﴿ يوم ﴾ ظرف للانتقام المذكور قبله. ورويت في " تبديل الأرض " أقوال، منها في الصحيح : أن الله يبدل هذه الأرض بأرض عفراء بيضاء كأنها قرصة نقي، وفي الصحيح : أن الله يبدلها خبزة يأكل المؤمن منها من تحت قدميه. وروي أنها تبدل أرضاً من فضة. وروي : أنها أرض كالفضة من بياضها. وروي أنها تبدل من نار. وقال بعض المفسرين : تبديل الأرض : هو نسف جبالها وتفجير بحارها وتغييرها حتى لا يرى فيها عوج ولا أمت : فهذه حال غير الأولى، وبهذا وقع التبديل.


الصفحة التالية
Icon