قال تعالى "وَ" اذكر يا محمد لقومك "إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ٢٨" تقدم تفسيره في الآية ٢٦ المارة، وما قيل إن مسنون بمعنى مصور أو مصبوب لا قيمة له في هذا المقام، راجع الآية ٢٦ المارة ولا يعد هذا تكرارا لأن الآية الأولى جاءت بمجرى الاخبار، وهذه مخاطب بها حضرة الرسول ليعلمه كيفية بدأ الخلق لأجله، وما نجم عن مخالفة بعض مخلوقاته لأمره والثالثة الآتية حكاية عن قول إبليس يبين فيها بماذا قابل ربه تجاه إنعامه عليه، تدبر.
"فَإِذا سَوَّيْتُهُ" عدلته وأتممت خلقه على ما هو في سبق علمي الأزلي "وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي" وهذا معنى قوله تعالى (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ) الآية ٦٠ من آل عمران في ج ٣، والنفخ في العرف إجراء الريح من الفم أو غيره في تجويف جسم صالح لإمساكها والامتلاء بها، والمراد هنا واللّه أعلم تمثيل إفاضة مادية الحياة بالفعل على المادة المقابلة لها، وليس هناك نفخ حقيقية بالمعنى الذي نعرفه، وهذا الروح هو جوهر مجرد ليس داخل البدن ولا خارجه، ولا متصل
به ولا منفصل عنه، وليس بجسم يحل بالبدن حلول الماء في الإناء، ولا هو عرض يحل بالقلب أو الدماغ حلول السّواد في الأسود والعلم في العالم، وقد تقدم هذا البحث مستوفيا في الآية ٨٥ من سورة الإسراء في ج ١ "فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ ٢٩" سجود تحية لا سجود عبادة والخطاب للملائكة أو أن السجود للّه تعالى يجعل آدم عليه السلام بمنزلة القبلة لهم لما ظهر فيه من أعاجيب آثار قدرة اللّه تعالى وحكمته، وعليه قول حسان رضي اللّه عنه :
أليس أول من صلى لقبلتكم وأعلم الناس بالقرآن والسنن


الصفحة التالية
Icon