و في هذه الآية دليل على جواز تقدم الأمر على وقت الفعل، فيكون حد الأمر بكونه ملابسا للفعل به ليس على إطلاقه "فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ٣٠" تأكيد لعدم تخلف أحد منهم
"إِلَّا إِبْلِيسَ" لأنه في الأصل لم يكن من الملائكة، ولهذا كان الاستثناء منقطعا، ومن قال إنه متصل لم يقل إنه من جنس الملائكة كما هو الشرط في تعريف الاستثناء المتصل، بل لأنه كان حين الأمر الإلهي معهم، وقد أمرهم كلهم بالسجود فسجدوا ولم يسجد هو لسابق سقائه، فاستثني منهم على طريق التغليب، لأن أصله من الجن، راجع الآية ٥٣ من سورة الكهف الآتية، أي أنه خرج عن طاعته لأنه "أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ ٣١" من الملائكة الذين كان معهم حين الأمر "قال" تعالى موبخا له ومؤنبا سوء صنيعه على امتناعه "يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ ٣٢" أخالفت أمري "قال" عليه اللعنة متقدما في حجته الواهية معتذرا عن السجود بعذره السخيف "لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ٣٣" تقدم تفسيره أي وقد خلقتني قبله من النار والنار أفضل من الطين، وهو قياس مغلوط، لأن الفاضل من فضله اللّه، وليس لأصل الخلقة أو أصل المخلوق دخل في التفضيل، ولو أراد اللّه هداه لامتثل وما عليه أن يسجد بأمر اللّه لآدم أو غيره، لأن القصد الامتثال لا غير.
راجع مقاييس إبليس في الآية ١٢ من الأعراف المارة في ج ١، "قال" تعالى لإبليس بعد أن أظهر عناده وعتوه وحسده لآدم أمام الملائكة كما هو ثابت في علم اللّه


الصفحة التالية
Icon