قال تعالى في وصفهم أيضا "لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ" ولا تعب ولا إعياء كما في جنات الدنيا التي لا تخلو من ذلك، وأن لكل مؤمن جنّة لا يعادلها جنان الدنيا، لأن أقل حظ أقل رجل من أهل الجنة أكثر من ملك أكبر ملك من ملوك الدنيا "وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ ٤٨" أبدا وهذا النص قاطع بالخلود في الجنة، ثم صدع جل شأنه بالبشارة العظيمة بقوله "نَبِّئْ عِبادِي" يا سيد الرسل "أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ"
لمن عصاني فندم وأناب إلي، فإن مغفرتي الكبيرة تسع ذنوبه مهما كانت وأنا "الرَّحِيمُ ٤٩" بمن أطاعني وتوكل علي، فإن رحمتي تغمره وإن عظمتي تستصغر خطاياه مهما كانت "وَأَنَّ عَذابِي" لمن كفر بي وجحد نعمتي ولم يرجع إليّ "هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ ٥٠" الذي لا تطيقه قوى المعذبين.
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال : سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول إن اللّه سبحانه وتعالى خلق الرحمة يوم خلقها مئة رحمة فأمسك عنده تسعا وتسعين رحمة وأدخل في خلقه كلهم رحمة واحدة.
فلو يعلم الكافر بكل الذي عند اللّه من الرحمة لم بيأس من الجنة، ولو يعلم المؤمن بكل الذي عند اللّه من العذاب لم يأمن النار، ولم يقل جل شأنه أنا المعذب كما قال أنا الغفور ترجيحا لجانب الوعد على الوعيد، وذلك من عظيم فضله.
ويقوي هذا الترجيح الإتيان بالوصفين الكريمين بصيغة المبالغة، وما أخرجه ابن جرير وابن مردويه من طريق عطاء ابن أبي رباح عن رجل من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال : اطلع علينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من الباب الذي منه بنو شيبة فقال : ألا أراكم تضحكون، ثم أدبر حتى إذا كان عند الحجر، رجع إلينا القهقرى فقال : إني لما خرجت جاء جبريل عليه السلام فقال يا محمد إن اللّه تعالى يقول لم تقنط عبادي اني أنا الغفور الرحيم.


الصفحة التالية
Icon