ويدل على صحة هذا القول قوله تعالى "لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ" ولا تطمح بصرك أيها الإنسان الكامل "إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ" أي هذا الذي هو من حطام الدنيا الزائل أصنافا "أَزْواجاً مِنْهُمْ" من أولئك الذين جاء منهم تلك القوافل، وقد فرحوا بها حتى تماها بعض قومك فتتمنى شيئا منه أو مما أوتوا من غيرها من الأموال والأولاد والأملاك لأنك أوتيت النعمة الكبرى التي هي فوق كل نعمة، فاستغن بما أوتيت عما أوتوه فكل شيء دونه، وهذا وإن كان خطابا لحضرة الرسول فإن المراد به قومه الذين تمنوا ذلك، لأنه عليه السلام أبعد عن أن يمد بصره إلى الدنيا و ما فيها لذاتها استحسانا لها وقد يلتفت إليها بالنسبة لكفرهم باللّه مع كثرة انعامه عليهم، وقد تأول سفيان بن عيينة قوله صلّى اللّه عليه وسلم من لم يتغنّ بالقرآن فليس منا، أو ليس منا من لم يتغنّ بالقرآن، فقال أي لم يستغن به عن غيره من كل ما في الدنيا، هذا من ضعف سبب النزول المذكور أعلا واحتج بأن السورة كلها مكية، وهذه الحادثة وقعت بالمدينة والحال أن هذه الآية مستثناة منها، وقد نزلت بالمدينة كما أشرنا إليه أول السورة، ويضاهي أول هذه الآية الآية ١٣٢ من سورة طه المارة في ج ١ "وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ" على كفار قومك لتأخرهم عن قبول هداك أو لعدم شكرهم نعم اللّه، فقد وقع من اتباع الرسل قبلك ما هو مثله وأكثر.
روى البغوي بسنده عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم لا تغبطنّ فاجرا نعمته فإنك لا تدري ما هو لاقيه بعد موته إن له قاتلا لا يموت، قيل عند اللّه وما هو قال النار.
وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه في المال والخلق فلينظر إلى من هو أسفل منه.