وقال الشيخ سيد قطب :
التعريف بسورة الحجر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
هذه السورة مكية بجملتها، نزلت بعد سورة يوسف، في الفترة الحرجة، ما بين "عام الحزن" وعام الهجرة.. تلك الفترة التي تحدثنا عن طبيعتها وملابساتها ومعالمها من قبل في تقديم سورة يونس وفي تقديم سورة هود وفي تقديم سورة يوسف بما فيه الكفاية..وهذه السورة عليها طابع هذه الفترة، وحاجاتها ومقتضياتها الحركية.. إنها تواجه واقع تلك الفترة مواجهة حركية ; وتوجه الرسول ( ﷺ ) والجماعة المسلمة معه، توجيها واقعيا مباشرا وتجاهد المكذبين جهادا كبيرا. كما هي طبيعة هذا القرآن ووظيفته.
ولما كانت حركة الدعوة في تلك الفترة تكاد تكون قد تجمدت، بسبب موقف قريش العنيد منها ومن النبي ( ﷺ ) والعصبة المؤمنة معه ; حيث اجترأت قريش على رسول الله ( ﷺ ) بما لم تكن تجترئ عليه في حياة أبي طالب. واشتد استهزاؤها بدعوته ; كما اشتد إيذاؤها لصحابته.. فقد جاء القرآن الكريم في هذه الفترة يهدد المشركين المكذبين ويتوعدهم ; ويعرض عليهم مصارع المكذبين الغابرين ومصائرهم ; ويكشف للرسول ( ﷺ ) عن علة تكذيبهم وعنادهم ; وهي لا تتعلق به ولا بالحق الذي معه، لكنها ترجع إلى العناد الذي لا تجدي معه الآيات البينات. ومن ثم يسلي الرسول ( ﷺ ) ويواسيه ; ويوجهه إلى الإصرار على الحق الذي معه ; والصدع به بقوة في مواجهة الشرك وأهله ; والصبر بعد ذلك على بطء الاستجابة ووحشة العزلة، وطول الطريق !