الآن وإن كانت من حيث المعنى على توافق غالبا فإنها مختلفة من حيث اللفظ، وكلام اللّه لا بدّ وأن يكون موافقا بعضه لبعض حرفيا في اللفظ والمعنى، وكلها مخالفة لإنجيل برنابا الذي هو موافق من حيث المعنى للقرآن العظيم بشأن صون سيدنا عيسى من الصلب وعدم توصل أيدي اليهود القذرة إلى طهارته وقدسيته، وأن المصلوب هو يهوذا الأسخريوطي المنافق الذي دلهم عليه ليمسكوه ويقتلوه، فألقى اللّه شبهه عليه جزاء وفاقا كما سيأتي تفصيله في الآية ١٨٧ من سورة النساء في ج ٣، وقال اللّه تعالى في حق هذا القرآن (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ) الآية ٥٠ من آل عمران في ج ٣، بما يعم التوراة والإنجيل وغيرهما، ولذلك تعهد اللّه بحفظه ولم يشر إلى مثل تلك الآية فيها لعلمه أن يقع فيها ما يقع من التغيير والتبديل، وقد ولى حفظها إلى الربّانيين والأحبار فاختلفوا وذهب كل منهم مذهبا في تأويلها، ففسر كل منها على ما تهواه نفسه، أما القرآن فقد أنزله اللّه تعالى على النبي العربي الأمي بلغته ولغة قومه وأبقاه كما أنزله وسيبقى على حاله إلى يوم القيامة إذ جعله معجزا مباينا لكلام البشر لا يقدر أحد أن يعارضه في إعجازه وفصاحته وبلاغته ولو زيد فيه حرف أو أنقص منه حرف لتغيّر نظمه ومبناه، ولو غيرت منه كلمة أو بدلت ذهب رونقه ومعناه، ولو قدم أو أخر منه شيء لاختلف المراد من مغزاه، ولو حرف حرف منه لنبدلت أحكامه وقضاياه، فيظهر لكل عاقل بالضرورة أنه ليس من القرآن ويخرج عن كونه كلام الملك الديان، وقد سخر اللّه تعالى عبادا من خلص عباده يذبّون عنه دواعي المبتدعة والملاحدة وأهل الكتابين المتعصبين بغير الحق، وأبقاهم كذلك إلى اليوم الذي قدر فيه رفعه ممن ليس بأهله، فصانه على هذه الصورة من كل إفساد وإبطال، وأبقاه كما أنزله صادعا بالحرام والحلال والأخبار والأمثال والحمد للّه رب العالمين.