قال الفراء : الشيع الأتباع واحدهم شيعة وشيعة الرجل أتباعه، والشيعة الأمة سموا بذلك، لأن بعضهم شايع بعضاً وشاكله، وذكرنا الكلام في هذا الحرف عند قوله :﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً﴾ [ الأنعام : ٦٥ ] قال الفراء : وقوله :﴿فِى شِيَعِ الأولين﴾ من إضافة الصفة إلى الموصوف كقوله :﴿حَق اليقين﴾ [ الواقعة : ٩٥ ] وقوله :﴿بِجَانِبِ الغربي﴾ [ القصص : ٤٤ ] وقوله :﴿وَذَلِكَ دِينُ القيمة﴾ [ البينة : ٥ ] أما قوله :﴿وَمَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ﴾ أي عادة هؤلاء الجهال مع جميع الأنبياء والرسل ذلك الاستهزاء بهم كما فعلوا بك ذكره تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم.
واعلم أن السبب الذي يحمل هؤلاء الجهال على هذه العادة الخبيثة أمور.
الأول : أنهم يستثقلون التزام الطاعات والعبادات والاحتراز عن الطيبات واللذات.
والثاني : أن الرسول يدعوهم إلى ترك ما ألفوه من أديانهم الخبيثة ومذاهبهم الباطلة، وذلك شاق شديد على الطباع.
والثالث : أن الرسول متبوع مخدوم والأقوام يجب عليهم طاعته وخدمته وذلك أيضاً في غاية المشقة.
والرابع : أن الرسول ﷺ قد يكون فقيراً ولا يكون له أعوان وأنصار ولا مال ولا جاه فالمتنعمون والرؤساء يثقل عليهم خدمة من يكون بهذه الصفة.
والخامس : خذلان الله لهم وإلقاء دواعي الكفر والجهل في قلوبهم، وهذا هو السبب الأصلي ؛ فلهذه الأسباب وما يشبهها تقع الجهال والضلال مع أكابر الأنبياء عليهم السلام في هذه الأعمال القبيحة والأفعال المنكرة.
أما قوله تعالى :﴿كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِى قُلُوبِ المجرمين﴾ ففيه مسألتان :
المسألة الأولى :
السلك إدخال الشيء في الشيء كإدخال الخيط في المخيط والرمح في المطعون، وقيل : في قوله :﴿مَا سَلَكَكُمْ فِى سَقَرَ﴾ [ المدثر : ٤٢ ] أي أدخلكم في جهنم.
وذكر أبو عبيدة وأبو عبيد : سلكته وأسلكته بمعنى واحد.


الصفحة التالية
Icon