المسألة الثانية ؛ احتج أصحابنا بهذه الآية على أنه تعالى يخلق الباطل في قلوب الكفار، فقالوا : قوله ﴿كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ﴾ أي كذلك نسلك الباطل والضلال في قلوب المجرمين، قالت المعتزلة : لم يجر للضلال والكفر ذكر فيما قبل هذا اللفظ، فلا يمكن أن يكون الضمير عائداً إليه لا يقال : إنه تعالى قال :﴿وَمَا يَأْتِيهِم مّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ وقوله :﴿يَسْتَهْزِئُونَ﴾ يدل على الاستهزاء، فالضمير في قوله :﴿كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ﴾ عائد إليه، والاستهزاء بالأنبياء كفر وضلال، فثبت صحة قولنا المراد من قوله :﴿كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِى قُلُوبِ المجرمين﴾ هو أنه كذلك نسلك الكفر والضلال والاستهزاء بأنبياء الله تعالى ورسله في قلوب المجرمين، لأنا نقول : إن كان الضمير في قوله :﴿كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ﴾ عائداً إلى الاستهزاء وجب أن يكون الضمير في قوله :﴿لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ عائداً أيضاً إلى الاستهزاء لأنهما ضميران تعاقبا وتلاصقا، فوجب عودهما إلى شيء واحد فوجب أن لا يكونوا مؤمنين بذلك الاستهزاء، وذلك يوجب التناقض، لأن الكافر لا بد وأن يكون مؤمناً بكفره، والذي لا يكون كذلك هو المسلم العالم ببطلان الكفر فلا يصدق به، وأيضاً فلو كان تعالى هو الذي يسلك الكفر في قلب الكافر ويخلقه فيه فما أحد أولى بالعذر من هؤلاء الكفار، ولكان على هذا التقدير يمتنع أن يذمهم في الدنيا وأن يعاقبهم في الآخرة عليه، فثبت أنه لا يمكن حمل هذه الآية على هذ الوجه فنقول : التأويل الصحيح أن الضمير في قوله تعالى :﴿كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ﴾ عائد إلى الذكر الذي هو القرآن فإنه تعالى قال قبل هذه الآية :﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر﴾ وقال بعده :﴿كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ﴾ أي هكذا نسلك القرآن في قلوب المجرمين، والمراد من هذا السلك هو أنه تعالى يسمعهم هذا القرآن ويخلق في قلوبهم حفظ هذا القرآن ويخلق فيها العلم