بمعانيه وبين أنهم لجهلهم وإصرارهم لا يؤمنون به مع هذه الأحوال عناداً وجهلاً، فكان هذا موجباً للحوق الذم الشديد بهم، ويدل على صحة هذا التأويل وجهان : الأول : أن الضمير في قوله :﴿لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ عائد إلى القرآن بالإجماع فوجب أن يكون الضمير في قوله :﴿كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ﴾ عائداً إليه أيضاً لأنهما ضميران متعاقبان فيجب عودهما إلى شيء واحد.
والثاني : أن قوله :﴿كذلك﴾ معناه : مثل ما عملنا كذا وكذا نعمل هذا السلك فيكون هذا تشبيهاً لهذا السلك بعمل آخر ذكره الله تعالى قبل هذه الآية من أعمال نفسه، ولم يجر لعمل من أعمال الله ذكر في سابقة هذه الآية إلا قوله :﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر﴾ فوجب أن يكون هذا معطوفاً عليه ومشبهاً به، ومتى كان الأمر كذلك كان الضمير في قوله :﴿نَسْلُكُهُ﴾ عائداً إلى الذكر وهذا تمام تقرير كلام القوم.
والجواب : لا يجوز أن يكون الضمير في قوله :﴿نَسْلُكُهُ﴾ عائداً على الذكر، ويدل عليه وجوه :
الوجه الأول : أن قوله :﴿كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ﴾ مذكور بحرف النون، والمراد منه إظهار نهاية التعظيم والجلالة، ومثل هذا التعظيم إنما يحسن ذكره إذا فعل فعلاً يظهر له أثر قوي كامل بحيث صار المنازع والمدافع له مغلوباً مقهوراً.
فأما إذا فعل فعلاً ولم يظهر له أثر ألبتة، صار المنازع والمدافع غالباً قاهراً، فإن ذكر اللفظ المشعر بنهاية العظمة والجلالة يكون مستقبحاً في هذا المقام، والأمر ههنا كذلك لأنه تعالى سلك أسماع القرآن وتحفيظه وتعليمه في قلب الكافر لأجل أن يؤمن به، ثم إنه لم يلتفت إليه ولم يؤمن به فصار فعل الله تعالى كالهدر الضائع، وصار الكافر والشيطان كالغالب الدافع، وإذا كان كذلك كان ذكر النون المشعر بالعظمة والجلالة في قوله :﴿نَسْلُكُهُ﴾ غير لائق بهذا المقام، فثبت بهذا التأويل الذي ذكروه فاسد.