قال : فما كان سبب إسلامك؟ قال : انصرفت من حضرتك فأحببت أن أمتحن هذه الأديان، وأنت ( مع ما ) تراني حسن الخط، فعمَدت إلى التوراة فكتبت ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت، وأدخلتها الكنيسة فاشتُرِيت مني، وعمدت إلى الإنجيل فكتبت ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت، وأدخلتها البِيعة فاشتُرِيت مني، وعمَدت إلى القرآن فعملت ثلاث نسخ وزدت فيها ونقصت، وأدخلتها الورّاقين فتصفحوها، فلما أن أوجدوا فيها الزيادة والنقصان رموا بها فلم يشتروها ؛ فعلمت أن هذا كتاب محفوظ، فكان هذا سببَ إسلامي.
قال يحيى بن أكثم : فحججت تلك السنةَ فلقِيت سفيان بن عُيينة فذكرت له الخبر فقال لي : مصداق هذا في كتاب الله عز وجل.
قال قلت : في أي موضع؟ قال : في قول الله تبارك وتعالى في التوراة والإنجيل :﴿ بِمَا استحفظوا مِن كِتَابِ الله ﴾ [ المائدة : ٤٤ ]، فجعل حفظه إليهم فضاع، وقال عز وجل :"إنّا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافِظون" فحفظه الله عز وجل علينا فلم يضِع.
وقيل :"وإنا له لحافظون" أي لمحمد ﷺ من أن يتقوّل علينا أو نتقول عليه.
أو "وإنا له لحافظون" من أن يكاد أو يقتل.
نظيره ﴿ والله يَعْصِمُكَ مِنَ الناس ﴾ [ المائدة : ٦٧ ].
و"نحن" يجوز أن يكون موضعه رفعاً بالابتداء و"نزلنا" الخبر.
والجملة خبر "إنّ".
ويجوز أن يكون "نحن" تأكيداً لاسم "إن" في موضع نصب، ولا تكون فاصلة لأن الذي بعدها ليس بمعرفة وإنما هو جملة، والجمل تكون نعوتاً للنكرات فحكمها حكم النكرات.
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (١٠) ﴾
المعنى : ولقد أرسلنا من قبلك رسلاً، فحذف.
والشّيَع جمع شيعة وهي الأُمَّة، أي في أممهم ؛ قاله ابن عباس وقتادة.
الحسن : في فرقهم.
والشّيعة : الفرقة والطائفة من الناس المتآلفة المتفقة الكلمة.
فكأن الشّيَع الفِرَق ؛ ومنه قوله تعالى :﴿ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً ﴾ [ الأنعام : ٦٥ ].