وقوله من شيع الأولين من باب إضافة الصفة إلى الموصوف ﴿ وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون كذلك نسلكه في قلوب المجرمين ﴾ السلوك النفاذ في الطريق، والدخول فيه والسلك إدخال الشيء في الشيء كإدخال الخيط في المخيط، ومعنى الآية كما سلكنا الكفر والتكذيب والاستهزاء في قلوب شيع الأولين، كذلك نسلكه أي ندخله في قلوب المجرمين يعني مشركي مكة، وفيه رد على القدرية والمعتزلة وهي أبين آية في ثبوت القدر لمن أذعن للحق، ولم يعاند قال الواحدي قال أصحابنا : أضاف الله سبحانه وتعالى إلى نفسه إدخال الكفر في قلوب الكفار، وحسن ذلك منه فمن آمن بالقرآن فليستحسنه، وقال الإمام فخرالدين الرازي : احتجّ أصحابنا بهذه الآية على أنه تعالى يخلق الباطل، والضلال في قلوب الكفار فقالوا قوله : كذلك نسلكه أي كذلك نسلك الباطل، والضلال في قلوب المجرمين وقالت المعتزلة لم يجر للضلال، والكفر ذكر فيما قيل هذا اللفظ فلا يمكن أن يكون الضمير عائد إليه، وأجيب عنه بأنه سبحانه وتعالى قال : ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون فالضمير في قوله كذلك نسلكه عائد إليه، والاستهزاء بالأنبياء كفر وضلال فثبت صحة قولنا : إن المراد من قوله كذلك نسلكه في قلوب المجرمين، أنه الكفر والضلال.
قوله تعالى ﴿ لايؤمنون به ﴾ بمحمد ( ﷺ ) وقيل بالقرآن ﴿ وقد خلت سنة الأولين ﴾ فيه وعيد وتهديد لكفار مكة، يخوفهم أن ينزل بهم مثل ما نزل بالأمم الماضية المكذبة للرسل، والمعنى وقد مضت سنة الله بإهلاك من كذب الرسل من الأمم الماضية فاحذروا يا أهل مكة أن يصيبكم مثل ما أصابهم من العذاب ﴿ ولو فتحنا عليهم باباً من السماء فظلوا فيه يعرجون ﴾ يعني ولو فتحنا على هؤلاء الذين قالوا : لو ما تأتينا بالملائكة باباً من السماء فظلوا.