وقال أبو السعود :
﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر ﴾ ردٌّ لإنكارهم التنزيلَ واستهزائِهم برسول الله ﷺ بذلك وتسليةٌ له، أي نحن بعِظَم شأنِنا وعلوِّ جنابنا نزلنا ذلك الذكرَ الذي أنكروه وأنكروا نزولَه عليك ونسبوك بذلك إلى الجنون وعَمَّوا مُنزِّله، حيث بنوَا الفعلَ للمفعول إيماءً إلى أنه أمرٌ لا مصدرَ له وفعلٌ لا فاعلَ له ﴿ وَإِنَّا لَهُ لحافظون ﴾ من كل ما لا يليق به، فيدخل فيه تكذيبُهم له واستهزاؤُهم به دخولاً أولياً فيكون وعيداً للمستهزئين، وأما الحفظُ عن مجرد التحريفِ والزيادة والنقصِ وأمثالِها فليس بمقتضى المقام، فالوجهُ الحملُ على الحفظ من جميع ما يقدح فيه من الطعن فيه والمجادلةِ في حقّيته، ويجوزُ أن يراد حفظُه بالإعجاز دليلاً على التنزيل من عنده تعالى إذ لو كان من عند غير الله لتطرّق عليه الزيادةُ والنقصُ والاختلاف، وفي سبك الجملتين من الدلالة على كمال الكبرياءِ والجلالة وعلى فخامة شأنِ التنزيل ما لا يخفى، وفي إيراد الثانيةِ بالجملة الاسمية دلالةٌ على دوام الحفظِ والله سبحانه أعلم، وقيل : الضمير المجرورُ للرسول ﷺ كقوله تعالى :﴿ والله يَعْصِمُكَ مِنَ الناس ﴾ وتأخيرُ هذا الكلام وإن كان جواباً عن أول كلامِهم الباطلِ، ورداً له لما ذكر آنفاً ولارتباطه بما يعقُبه من قوله تعالى :


الصفحة التالية
Icon