﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلنَا ﴾ أي رسلاً، وإنما لم يُذكر لدلالة ما بعده عليه ﴿ مِن قَبْلِكَ ﴾ متعلقٌ بأرسلنا أو بمحذوف هو نعتٌ للمفعول المحذوفِ أي رسلاً كائنةً من قبلك ﴿ فِى شِيَعِ الأولين ﴾ أي فِرَقِهم وأحزابهم جمع شيعة، وهي الفِرقةُ المتّفقة على طريقة ومذهب، من شاعه إذا تبِعه، وإضافتُه إلى الأولين من إضافة الموصوفِ إلى صفته عند الفرّاء، ومن حذف الموصوف عند البصريين أي شيعِ الأممِ الأولين، ومعنى إرسالِهم فيهم جعلُ كل منهم رسولاً فيما بين طائفةٍ منهم ليتابعوه في كل ما يأتي ويذر من أمور الدين.
﴿ وَمَا يَأْتِيهِم مّن رَّسُولٍ ﴾ المرادُ نفيُ إتيانِ كل رسولٍ لشيعته الخاصة به لا نفيُ إتيان كل رسول لكل واحدة من تلك الشيعِ جميعاً، أو على سبيل البدلِ، وصيغةُ الاستقبال لاستحضار الصورةِ على طريقة حكايةِ الحالِ الماضية، فإن ( ما ) لا تدخل في الأغلب على مضارع إلا وهو في معنى الحال، ولا على ماض إلا وهو قريب من الحال، أي ما أتى شيعةً من تلك الشيعِ رسولٌ خاصٌّ بها ﴿ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤون ﴾ كما يفعله هؤلاء الكفرةُ، والجملة في محل النصب على أنها حال مقدّرة من ضمير المفعول في يأتيهم إذا كان المرادُ بالإتيان حدوثَه، أو في محل الرفع على أنها صفةُ رسول فإنه محلَّه الرفعُ على الفاعلية، أي إلا رسولٌ كانوا به يستهزؤون، وأما الجرُّ على أنها صفةٌ باعتبار لفظِه فيُفضي إلى زيادة ( من ) الاستغراقيةِ في الإثبات ويجوز أن يكون منصوباً على الوصفية بأن يقدَّر الموصوفُ منصوباً على الاستثناء وإن كان المختارُ الرفعَ على البدلية.


الصفحة التالية
Icon