والوجه الثاني : في تفسير هذا اللفظ أن هذا العالم عالم الأسباب والله تعالى إنما يخلق المعادن والنبات والحيوان بواسطة تركيب طبائع هذا العالم، فلا بد وأن يحصل من الأرض قدر مخصوص ومن الماء والهواء كذلك، ومن تأثير الشمس والكواكب في الحر والبرد مقدار مخصوص، ولو قدرنا حصول الزيادة على ذلك القدر المخصوص، أو النقصان عنه لم تتولد المعادن والنبات والحيوان فالله سبحانه وتعالى قدرها على وجه مخصوص بقدرته وعلمه وحكمته فكأنه تعالى وزنها بميزان الحكمة حتى حصلت هذه الأنواع.
والوجه الثالث : في تفسير هذا اللفظ أن أهل العرف يقولون : فلان موزون الحركات أي حركات متناسبة حسنة مطابقة للحكمة، وهذا الكلام كلام موزون إذا كان متناسباً حسناً بعيداً عن اللغو والسخف فكان المراد منه أنه موزون بميزان الحكمة والعقل، وبالجملة فقد جعلوا لفظ الموزون كناية عن الحسن والتناسب، فقوله :﴿وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلّ شَىْء مَّوْزُونٍ﴾ أي متناسب محكوم عليه عند العقول السليمة بالحسن واللطافة ومطابقة المصلحة.
والوجه الرابع : في تفسير هذا اللفظ أن الشيء الذي ينبت من الأرض نوعان : المعادن والنبات : أما المعادن فهي بأسرها موزونة وهي الأجساد السبعة والأحجار والأملاح والزاجات وغيرها.
وأما النبات فيرجع عاقبتها إلى الوزن، لأن الحبوب توزن، وكذلك الفواكه في الأكثر والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا معايش﴾ فيه مسألتان :
المسألة الأولى :
ذكرنا الكلام في المعايش في سورة الأعراف وقوله :﴿وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ برازقين﴾ فيه قولان :
القول الأول : أنه معطوف على محل لكم، والتقدير : وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين.
والقول الثاني : أنه عطف على قوله :﴿معايش﴾ والتقدير : وجعلنا لكم معايش ومن لستم له برازقين، وعلى هذا القول ففيه احتمالات ثلاثة :