فصل
قال الفخر :
﴿ وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ (٢٣) ﴾
اعلم أن هذا هو النوع السادس من دلائل التوحيد وهو الاستدلال بحصول الإحياء والإماتة لهذه الحيوانات على وجود الإله القادر المختار.
أما قوله :﴿وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْىِ وَنُمِيتُ﴾ ففيه قولان : منهم من حمله على القدر المشترك بين إحياء النبات والحيوان ومنهم من يقول : وصف النبات بالإحياء مجاز فوجب تخصيصه بإحياء الحيوان ولما ثبت بالدلائل العقلية أنه لا قدرة على خلق الحياة إلا للحق سبحانه كان حصول الحياة للحيوان دليلاً قاطعاً على وجود الإله الفاعل المختار، وقوله :﴿وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْىِ وَنُمِيتُ﴾ يفيد الحصر أي لا قدرة على الإحياء ولا على الإماتة إلا لنا، وقوله :﴿وَنَحْنُ الوارثون﴾ معناه : أنه إذا مات جميع الخلائق، فحينئذ يزول ملك كل أحد عند موته، ويكون الله هو الباقي الحق المالك لكل المملوكات وحده فكان هذا شبيهاً بالإرث فكان وارثاً من هذا الوجه.
وأما قوله :﴿وَلَقَدْ عَلِمْنَا المستقدمين مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا المستئخرين﴾ ففيه وجوه : الأول : قال ابن عباس رضي الله عنهما في رواية عطاء : المستقدمين يريد أهل طاعة الله تعالى والمستأخرين يريد المتخلفين عن طاعة الله.
الثاني : أراد بالمستقدمين الصف الأول من أهل الصلاة، وبالمستأخرين الصف الآخر، روي أنه ﷺ رغب في الصف الأول في الصلاة، فازدحم الناس عليه، فأنزل الله تعالى هذه الآية، والمعنى : أنا نجزيهم على قدر نياتهم.
الثالث : قال الضحاك ومقاتل : يعني في وصف القتال.
الرابع : قال ابن عباس في رواية أبي الجوزاء كانت امرأة حسناء تصلي خلف رسول الله ﷺ وكان قوم يتقدمون إلى الصف الأول لئلا يروها وآخرون يتخلفون ويتأخرون ليروها وإذا ركعوا جافوا أيديهم لينظروا من تحت آباطهم فأنزل الله تعالى هذه الآية.