وقال القرطبى :
﴿ وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ (٢٣) ﴾
أي الأرض ومن عليها، ولا يبقى شيء سوانا.
نظيره.
﴿ إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأرض وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ﴾ [ مريم : ٤٠ ].
فملك كلّ شيء لله تعالى.
ولكن ملك عباده أملاكاً فإذا ماتوا انقطعت الدّعاوى، فكان الله وارثاً من هذا الوجه.
وقيل : الإحياء في هذه الآية إحياء النطفة في الأرحام.
فأما البعث فقد ذكره بعد هذا في قوله :﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ ﴾ [ الحجر : ٢٥ ].
﴿ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (٢٤) ﴾
فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ عَلِمْنَا المستقدمين مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا المستأخرين ﴾ فيه ثمان تأويلات : الأوّل :"المستقدمين" في الخلق إلى اليوم، ولا المستأخرين، الذين لم يخلقوا بعد، قاله قتادة وعكرمة وغيرهما.
الثاني :"المستقدمين" الأموات، و"المستأخرين" الأحياء ؛ قاله ابن عباس والضحاك.
الثالث :"المستقدمين" من تقدّم أمة محمد، و"المستأخرين" أمة محمد ﷺ ؛ قاله مجاهد.
الرابع :"المستقدمين" في الطاعة والخير، و"المستأخرين" في المعصية والشر ؛ قاله الحسن وقتادة أيضاً.
الخامس :"المستقدمين" في صفوف الحرب، و"المستأخرين" فيها ؛ قاله سعيد بن المسيّب.
السادس :"المستقدمين" من قتل في الجهاد، و"المستأخرين" من لم يقتل ؛ قاله القرظي.
السابع :"المستقدمين" أوّل الخلق، و"المستأخرين" آخر الخلق ؛ قاله الشعبِيّ.
الثامن :"المستقدمين" في صفوف الصلاة، و"المستأخرين" فيها بسبب النساء.
وكل هذا معلوم لله تعالى ؛ فإنه عالم بكل موجود ومعدوم، وعالم بمن خلق وما هو خالقه إلى يوم القيامة.