إلا أن القول الثامن هو سبب نزول الآية ؛ لما رواه النَّسائي والترمذيّ عن أبي الجوزاء عن ابن عباس قال : كانت امرأة تصلي خلف رسول الله ﷺ حسناء من أحسن الناس، فكان بعض القوم يتقدّم حتى يكون في الصف الأوّل لئلا يراها، ويتأخرّ بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر، فإذا ركع نظر من تحت إبطه، فأنزل الله عز وجل ﴿ وَلَقَدْ عَلِمْنَا المستقدمين مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا المستأخرين ﴾.
وروي عن أبي الجوزاء ولم يُذكر ابن عباس.
وهو أصح.
الثانية : هذا يدل على فضل أوّل الوقت في الصلاة وعلى فضل الصفّ الأوّل ؛ قال النبيّ ﷺ :" لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأوّل ثم لم يجِدوا إلا أن يستَهِموا عليه لاستهموا " فإذا جاء الرجل عند الزوال فنزل في الصف الأوّل مجاور الإمام، حاز ثلاث مراتب في الفضل : أوّل الوقت، والصف الأوّل، ومجاورة الإمام.
فإن جاء عند الزوال فنزل في الصف الآخر أو فيما نزل عن الصف الأوّل، فقد حاز فضل أوّل الوقت وفاته فضل الصف الأوّل والمجاورة.
فإن جاء وقت الزوال ونزل في الصف الأوّل دون ما يلي الإمام فقد حاز فضل أوّل الوقت وفضل الصف الأوّل، وفاته مجاورة الإمام.
فإن جاء بعد الزوال ونزل في الصف الأوّل فقد فاته فضيلة أوّل الوقت، وحاز فضيلة الصف الأوّل ومجاورة الإمام.
وهكذا.
ومجاورة الإمام لا تكون لكل أحد، وإنما هي كما قال ﷺ :" لِيَلنِي منكم أولو الأحلام والنهى " الحديث.
فما يلي الإمام ينبغي أن يكون لمن كانت هذه صفته، فإن نزلها غيره أخِّر وتقدّم هو إلى الموضع ؛ لأنه حقّه بأمر صاحب الشرع، كالمحراب هو موضع الإمام تقدّم أو تأخّر ؛ قاله ابن العربي.
قلت : وعليه يحمل قول عمر رضي الله عنه : تأخر يا فلان، تقدّم يا فلان ؛ ثم يتقدّم فيكبر.
وقد روي عن كعب أن الرجل من هذه الأمة ليَخِرّ ساجداً فيغفر لمن خلفه.


الصفحة التالية
Icon