وقال الفخر :
﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (٢١) ﴾
اعلم أنه تعالى لما بين أنه أنبت في الأرض كل شيء موزون وجعل فيها معايش أتبعه بذكر ما هو كالسبب لذلك فقال :﴿وَإِن مّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ ﴾.
وهذا هو النوع الرابع من الدلائل المذكورة في هذه السورة على تقرير التوحيد، وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى :
قال الواحدي رحمه الله : الخزائن جمع الخزانة، وهو اسم المكان الذي يخزن فيه الشيء أي يحفظ والخزانة أيضاً عمل الخازن، ويقال : خزن الشيء يخزنه إذا أحرزه في خزانة، وعامة المفسرين على أن المراد بقوله :﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَآئِنُهُ﴾ هو المطر، وذلك لأنه هو السبب للأرزاق ولمعايش بني آدم وغيرهم من الطيور والوحوش، فلما ذكر تعالى أنه يعطيهم المعايش بين أن خزائن المطر الذي هو سبب المعايش عنده، أي في أمره وحكمه وتدبيره، وقوله :﴿وَمَا نُنَزّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ﴾ قال ابن عباس رحمهما الله : يريد قدر الكفاية، وقال الحكم : ما من عام بأكثر مطراً من عام آخر، ولكنه يمطر قوم ويحرم قوم آخرون، وربما كان في البحر، يعني أن الله تعالى ينزل المطر كل عام بقدر معلوم، غير أنه يصرفه إلى من يشاء حيث شاء كما شاء.
ولقائل أن يقول : لفظ الآية لا يدل على هذا المعنى، فإن قوله تعالى :﴿وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ﴾ لا يدل على أنه تعالى ينزله في جميع الأعوام على قدر واحد، وإذا كان كذلك كان تفسير الآية بهذا المعنى تحكماً من غير دليل.
وأقول أيضاً : تخصيص قوله تعالى :﴿وَإِن مّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ﴾ بالمطر تحكم محض، لأن قوله :﴿وَإِن مِّن شيْءٍ﴾ يتناول جميع الأشياء إلا ما خصه الدليل، وهو الموجود القديم الواجب لذاته، وقوله :﴿إلا عِندَنَا خَزَائِنُهُ﴾ إشارة إلى كون تلك الأشياء مقدورة له تعالى.


الصفحة التالية
Icon