الريح هواء متحرك وحركة الهواء بعد أن لم يكن متحركاً لا بد له من سبب، وذلك السبب ليس نفس كونه هواء ولا شيئاً من لوازم ذاته، وإلا لدامت حركة الهواء بدوام ذاته وذلك محال، فلم يبق إلا أن يقال : إنه يتحرك بتحريك الفاعل المختار، والأحوال التي تذكرها الفلاسفة في سبب حركة الهواء عند حدوث الريح قد حكيناها في هذا الكتاب مراراً فأبطلناها وبينا أنه لا يمكن أن يكون شيء منها سبباً لحدوث الرياح، فبقي أن يكون محركها هو الله سبحانه.
وأما قوله :﴿وَأَنزَلْنَا مِنَ السمآء مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بخازنين﴾ ففيه مباحث : الأول : أن ماء المطر هل ينزل من السماء أو ينزل من ماء السحاب ؟ وبتقدير أن يقال إنه ينزل من السحاب كيف أطلق الله على السحاب لفظ السماء ؟ وثانيها : أنه ليس السبب في حدوث المطر ما يذكره الفلاسفة بل السبب فيه أن الفاعل المختار ينزله من السحاب إلى الأرض لغرض الإحسان إلى العباد كما قال ههنا :﴿فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ﴾ قال الأزهري : تقول العرب لكل ما كان في بطون الأنعام ومن السماء أو نهر يجري أسقيته أي جعلته شرباً له، وجعلت له منها مسقى، فإذا كانت السقيا لسقيه قالوا سقاه، ولم يقولوا أسقاه.
والذي يؤكد هذا اختلاف القراء في قوله :﴿نُّسْقِيكُمْ مّمَّا فِى بُطُونِهِ﴾ [ النحل : ٦٦ ] فقرؤا باللغتين، ولم يختلفوا في قوله :﴿وسقاهم رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً﴾ [ الإنسان : ٢١ ] وفي قوله :
﴿والذي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ﴾ [ الشعراء : ٧٩ ] قال أبو علي : سقيته حتى روي وأسقيته نهراً، أي جعلته شرباً له وقوله :﴿فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ﴾ أي جعلناه سقياً لكم وربما قالوا في أسقى سقى كقول لبيد يصف سحاباً :
أقول وصوبه مني بعيد.. يحط السيب من قلل الجبال
سقى قومي بني نجد وأسقى.. نميرا والقبائل من هلال


الصفحة التالية
Icon