الباء للقسم وما مصدريةٌ والجواب ﴿ لأزَيّنَنَّ لَهُمْ ﴾ أي أقسم بإغوائك إيايَ لأزينن لهم المعاصيَ ﴿ فِى الأرض ﴾ أي في الدنيا التي هي دارُ الغرور كقوله تعالى :﴿ أَخْلَدَ إِلَى الأرض ﴾ وإقسامُه بعزة الله المفسَّرةِ بسلطانه وقهره لا ينافي إقسامَه بهذا، فإنه فرْعٌ من فروعها وأثرٌ من آثارها، فلعله أقسم بهما جميعاً فحُكي تارة قسمُه بهذا وأخرى بذاك، أو للسببية، وقوله : لأزينن، جوابُ قسمٍ محذوف، والمعنى بسبب تسبُّبِك لإغوائي أقسم لأفعلن بهم مثلَ ما فعلت بي من التسبيب لإغوائهم بتزيين المعاصي وتسويلِ الأباطيل، والمعتزلةُ أوّلوا الإغواءَ بالنسبة إلى الغيّ أو التسببب له لأمره إياه بالسجود لآدم عليه الصلاة والسلام، واعتذروا عن إمهال الله تعالى وتسليطِه له على إغواء بني آدم بأنه تعالى قد علِم منه وممن تبِعه أنهم يموتون على الكفر ويصيرون إلى النار، أُمهل أم لم يُمهَل، وأن في إمهاله تعويضاً لمن خالفه لاستحقاق مزيدِ الثواب ﴿ وَلأَغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ لأحمِلنّهم على الغواية.
﴿ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين ﴾ الذين أخلصتَهم لطاعتك وطهَّرتَهم من الشوائب، فلا يعملُ فيهم كيدي، وقرىء بكسر اللام، أي الذين أخلصوا نفوسَهم لله تعالى.
﴿ قَالَ هَذَا صراط ﴾ أي حقٌّ ﴿ عَلَىَّ ﴾ أن أراعيَه ﴿ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ لا عوجَ فيه، والإشارةُ إلى ما تضمّنه الاستثناءُ وهو تخلّصُ المخْلَصين من إغوائه، أو الإخلاصُ على معنى أنه طريقٌ يؤدي إلى الوصول من غير اعوجاج وضلالٍ، والأظهرُ أن ذلك لِما وقع في عبارة إبليسَ حيث قال :﴿ لاقْعُدَنَّ لَهُمْ صراطك المستقيم * ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ ﴾ الآية، وقرىء على من علو الشرف.


الصفحة التالية
Icon