قال القاضي : أحسن ما قيل في الجواب عن ذلك أنه أراد أن يعرف أنه تعالى يعطيه الولد مع أنه يبقيه على صفة الشيخوخة أو يقلبه شاباً، ثم يعطيه الولد، والسبب في هذا الاستفهام أن العادة جارية بأنه لا يحصل الولد حال الشيخوخة التامة وإنما يحصل في حال الشباب.
فإن قيل : فإذا كان معنى الكلام ما ذكرتم فلم قالوا : بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين.
قلنا : إنهم بينوا أن الله تعالى بشره بالولد مع إبقائه على صفة الشيخوخة وقوله : فلا تكن من القانطين.
لا يدل على أنه كان كذلك، بدليل أنه صرح في جوابهم بما يدل على أنه ليس كذلك فقال :﴿وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبّهِ إِلاَّ الضآلون﴾ وفيه جواب آخر، وهو أن الإنسان إذا كان عظيم الرغبة في شيء وفاته الوقت الذي يغلب على ظنه حصول ذلك المراد فيه، فإذا بشر بعد ذلك بحصوله عظم فرحه وسروره ويصير ذلك الفرح القوي كالمدهش له والمزيل لقوة فهمه وذكائه فلعله يتكلم بكلمات مضطربة في ذلك الفرح في ذلك الوقت، وقيل أيضاً : إنه يستطيب تلك البشارة فربما يعيد السؤال ليسمع تلك البشارة مرة أخرى ومرتين وأكثر طلباً للالتذاذ بسماع تلك البشارة، وطلباً لزيادة الطمأنينة والوثوق مثل قوله :﴿ولكن لّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى﴾ [ البقرة : ٢٦٠ ] وقيل أيضاً : استفهم أبأمر الله تبشرون أم من عند أنفسكم واجتهادكم ؟
المسألة الثانية :
قرأ نافع :﴿تُبَشّرُونَ﴾ بكسر النون خفيفة في كل القرآن، وقرأ ابن كثير بكسر النون وتشديدها.
والباقون بفتح النون خفيفة، أما الكسر والتشديد فتقديره تبشرونني أدغمت نون الجمع في نون الإضافة، وأما الكسر والتخفيف فعلى حذف نون الجمع استثقالاً لاجتماع المثلين وطلباً للتخفيف قال أبو حاتم : حذف نافع الياء مع النون.
قال : وإسقاط الحرفين لا يجوز، وأجيب عنه : بأنه أسقط حرفاً واحداً وهي النون التي هي علامة للرفع.


الصفحة التالية
Icon