اعلم أن الملائكة لما بشروا إبراهيم بالولد وأخبروه بأنهم مرسلون لعذاب قوم مجرمين ذهبوا بعد ذلك إلى لوط وإلى آله، وأن لوطاً وقومه ما عرفوا أنهم ملائكة الله، فلهذا قال لهم :﴿إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ﴾ وفي تأويله وجوه : الأول : أنه إنما وصفهم بأنهم منكرون، لأنه عليه الصلاة والسلام ما عرفهم، فلما هجموا عليه استنكر منهم ذلك وخاف أنهم دخلوا عليه لأجل شر يوصلونه إليه، فقال هذه الكلمة.
والثاني : أنهم كانوا شباباً مرداً حسان الوجوه، فخاف أن يهجم قومه عليه بسبب طلبهم فقال هذه الكلمة.
والثالث : أن النكرة ضد المعرفة فقوله :﴿إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ﴾ أي لا أعرفكم، ولا أعرف أنكم من أي الأقوام، ولأي غرض دخلتم علي، فعند هذه الكلمة قالت الملائكة، بل جئناك بما كانوا فيه يمترون، أي بالعذاب الذي كانوا يشكون في نزوله، ثم أكدوا ما ذكروه بقولهم :﴿وأتيناك بالحق﴾ قال الكلبي : بالعذاب، وقيل باليقين والأمر الثابت الذي لا شك فيه وهو عذاب أولئك الأقوام ثم أكدوا هذا التأكيد بقولهم ؛ ﴿وِإِنَّا لصادقون ﴾.
﴿ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (٦٥) ﴾
قرىء ﴿فَأَسْرِ﴾ بقطع الهمزة ووصلها من أسرى وسرى.
وروى صاحب الكشاف عن صاحب الإقليد فسر ﴿مِنْ﴾ السير والقطع آخر الليل.
قال الشاعر :
افتحي الباب وانظري في النجوم.. كم علينا من قطع ليل بهيم
وقوله :﴿واتبع أدبارهم﴾ معناه : اتبع آثار بناتك وأهلك.
وقوله :﴿وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ﴾ الفائدة فيه أشياء : أحدها : لئلا يتخلف منكم أحد فينا له العذاب.
وثانيها : لئلا يرى عظيم ما ينزل بهم من البلاء.
وثالثها : معناه الإسراع وترك الاهتمام لما خلف وراءه كما تقول : امض لشأنك ولا تعرج على شيء.
ورابعها : لو بقي منه متاع في ذلك الموضع، فلا يرجعن بسببه ألبتة.


الصفحة التالية
Icon