وقال ابن عطية :
﴿ قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٥٧) ﴾
القائل هنا إبراهيم عليه السلام، وقوله :﴿ فما خطبكم ﴾ سؤال فيه عنف، كما تقول لمن تنكر حاله : ما دهاك وما مصيبتك؟ وأنت إنما تريد استفهاماً عن حاله فقط. لأن " الخطب " لفظة إنما تستعمل في الأمور الشداد، على أن قول إبراهيم عليه السلام ﴿ أيها المرسلون ﴾ وكونهم أيضاً قد بشروه يقتضي أنه قد كان عرف أنهم ملائكة حين قال ﴿ فما خطبكم ﴾، فيحتمل قوله ﴿ فما خطبكم ﴾ مع هذا أنه أضاف الخطب إليهم من حيث هم حملته إلى يوم المعذبين أي ما هذا الخطب الذي تتحملونه وإلى أي أمة. و﴿ لقوم مجرمين ﴾ يراد به أهل مدينة سدوم الذين بعث فيهم لوط عليه السلام، والمجرم الذي يجر الجرائر ويرتكب المحظورات، وأصل جرم وأجرم كسب، ومنه قول الشاعر :[ الوافر ]
جريمة ناهض في رأس نيق... أي كسب عقاب في قنة شامخ، ولكن اللفظة خصّت في عرفها بالشر، لا يقال لكاسب الأجر مجرم، وقولهم ﴿ إلا آل ﴾ استثناء منقطع، والأول القوم الذين يؤول أمرهم إلى المضاف إليه، كذا قال سيبويه، وهذا نص في أن لفظة ﴿ آل ﴾ ليست لفظة أهل كما قال النحاس، ويجوز على هذا إضافة ﴿ آل ﴾ إلى الضمير، وأما أهيل فتصغير أهل، واجتزوا به عن تصغير " آل "، فرفضوا " أويلاً " وقرأ جمهور السبعة " لمُنجُّوهم " وقرأ حمزة والكسائي " لمنْجُوهم " بسكون النون وضم الجيم مخففة، والضمير في ﴿ لمنجوهم ﴾ في موضع خفض بالإضافة، وانحذفت النون للمعاقبة، هذا قول جمهور النحويين، وقال الأخفش الضمير في موضع نصب وانحذفت النون لأنه لا بد من اتصال هذا الضمير.
قال القاضي أبو محمد : وفي هذا نظر، وقوله ﴿ إلا امرأته ﴾ استثناء بعد استثناء وهما منقطعان فيما حكى بعض النحاة لأنهم لم يجعلوا امرأته الكافرة من آله.


الصفحة التالية
Icon