قال القاضي أبو محمد : وفي هذا نظر، لأنها قبل الاستثناء داخلة في اللفظ الذي هو الأول، وليس كذلك الأول مع " المجرمين "، فيظهر الاستثناء الأول منقطعاً والثاني متصلاً، والاستثناء بعد الاستثناء يرد المستثنى الثاني في حكم أمر الأول، ومثل بعض الناس في هذا بقولك : لي عندك مائة درهم إلا عشرة دراهم إلا درهمين، فرجعت الدرهمان في حكم التسعين الدرهم، وقال المبرد : ليس هذا المثال بجيد، لأنه من خلق الكلام ورثه إذ له طريق إلى أداء المعنى المقصود بأجمل من هذا التخليق، وهو أن يقول لي عندك مائة إلا ثمانية، وإنما ينبغي أن يكون مثالاً للآية قولك : ضربت بني تميم إلا بني دارم إلا حاجباً، لأن حاجباً من بني دارم فلما كان المستثنى الأول في ضمنه ما لا يجري الحكم عليه، والضرورة تدخله في لفظه ولا يمكنك العبارة عنه دون ذلك يجري الحكم عليهم اضطررت إلى استثناء ثان.
قال القاضي أبو محمد : ونزعة المبرد في هذا نبيلة، وقرأ جميعهم سوى عاصم في رواية أبي بكر " قدّرنا " بتشديد الدال في كل القرآن، وقرأ عاصم " قدَرنا " بتخفيفها، ونقل في رواية حفص، والتخفيف يكون بمعنى التثقيل كما قال الهذلي أبو ذؤيب :[ الطويل ]
ومفرهة عنس قدرت لساقها... فخرت كما تتابع الريح بالقفل
يريد قدرت ضربي لساقها، وكقول النبي عليه السلام في الاستخارة :" واقدر لي الخير حيث كان "، ويكون أيضاً بمعنى سن ووفق ومنه قول الشاعر :{ يزيد بن مفرغ ]
بقندهار ومن تقدير منيته... يرجع دونه الخبر


الصفحة التالية
Icon