في قوله :﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِى سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ قولان : الأول : أن المراد أن الملائكة قالت للوط عليه السلام :﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِى سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ أي في غوايتهم يعمهون، أي يتحيرون فكيف يقبلون قولك، ويلتفتون إلى نصيحتك.
والثاني : أن الخطاب لرسول الله ﷺ، وأنه تعالى أقسم بحياته وما أقسم بحياة أحد، وذلك يدل على أنه أكرم الخلق على الله تعالى قال النحويون : ارتفع قوله :﴿لَعَمْرُكَ﴾ بالابتداء والخبر محذوف، والمعنى : لعمرك قسمي وحذف الخبر، لأن في الكلام دليلاً عليه وباب القسم يحذف منه الفعل نحو : بالله لأفعلن، والمعنى : أحلف بالله فيحذف لعلم المخاطب بأنك حالف.
ثم قال تعالى :﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصيحة﴾ أي صيحة جبريل عليه السلام قال أهل المعاني : ليس في الآية دلالة على أن تلك الصيحة صيحة جبريل عليه السلام فإن ثبت ذلك بدليل قوي قيل به، وإلا فليس في الآية دلالة إلا على أنه جاءتهم صيحة عظيمة مهلكة وقوله :﴿مُشْرِقِينَ﴾ يقال شرق الشارق يشرق شروقاً لكل ما طلع من جانب الشرق، ومنه قولهم ما ذر شارق أي طلع طالع فقوله :﴿مُشْرِقِينَ﴾ أي داخلين في الشروق يقال أشرق الرجل إذا دخل في الشروق، وهو بزوغ الشمس.
واعلم أن الآية تدل على أنه تعالى عذبهم بثلاثة أنواع من العذاب : أحدها : الصيحة الهائلة المنكرة.
وثانيها : أنه جعل عاليها سافلها.
وثالثها : أنه أمطر عليهم حجارة من سجيل، وكل هذه الأحوال قد مر تفسيرها في سورة هود.
ثم قال تعالى :﴿إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيات لِلْمُتَوَسّمِينَ﴾ يقال توسمت في فلان خيراً أي رأيت فيه أثراً منه وتفرسته فيه، واختلفت عبارات المفسرين في تفسير المتوسمين قيل : المتفرسين، وقيل : الناظرين، وقيل : المتفكرين، وقيل : المعتبرين، وقيل : المتبصرين.


الصفحة التالية