قلت : ففي هذه الآية التي بين الشارع حكمها وأوضح أمرها ثمان مسائل، استنبطها العلماء واختلف في بعضها الفقهاء، فأوّلها : كراهة دخول تلك المواضع، وعليها حمل بعض العلماء دخول مقابر الكفار ؛ فإن دخل الإنسان شيئاً من تلك المواضع والمقابر فعلى الصفة التي أرشد إليها النبيّ ﷺ من الاعتبار والخوف والإسراع.
وقد قال رسول الله ﷺ :" لا تدخلوا أرض بابلَ فإنها ملعونة ".
مسألة : أمر النبيّ ﷺ بهرق ما استقوا من بئر ثمود وإلقاء ما عجن وخبز به لأجل أنه ماء سخط، فلم يجز الإنتفاع به فراراً من سخط الله.
وقال "اعلفوه الإبل".
قلت : وهكذا حكم الماء النجس وما يعجن به.
وثانيها : قال مالك : إن ما لا يجوز استعماله من الطعام والشراب يجوز أن تعلفه الإبل والبهائم ؛ إذ لا تكليف عليها ؛ وكذلك قال في العسل النجس : إنه يعلفه النحل.
وثالثها : أمر رسول الله ﷺ بعلف ما عجن بهذا الماء الإبل، ولم يأمر بطرحه كما أمر في لحوم الحُمُر الإنسية يوم خَيْبَر ؛ فدلّ على أن لحم الحُمُر أشد في التحريم وأغلظ في التنجيس.
وقد : أمر رسول الله ﷺ بكسب الحجام أن يُعلف الناضحَ والرقيق، ولم يكن ذلك لتحريم ولا تنجيس.
قال الشافعيّ : ولو كان حراماً لم يأمره أن يُطعِمَه رقيقَه ؛ لأنه متعبّد فيه كما تعبّد في نفسه.
ورابعها : في أمره ﷺ بعلف الإبل العجين دليل على جواز حمل الرجل النجاسة إلى كلابه ليأكلوها ؛ خلافاً لمن منع ذلك من أصحابنا وقال : تطلق الكلاب عليها ولا يحملها إليها.
وخامسها : أمره ﷺ أن يستقوا من بئر الناقة دليل على التبرك بآثار الأنبياء والصالحين، وإن تقادمت أعصارهم وخفيت آثارهم ؛ كما أن في الأوّل دليلاً على بغض أهل الفساد وذم ديارهم وآثارهم.


الصفحة التالية
Icon