أو يكون من أجل أنها بقعة سخط، فلو كان كذلك ما كان رسول الله ﷺ ليبني مسجده في مقبرة المشركين وينبِشها ويسوّيها ويبني عليها، ولو جاز لقائل أن يخص من المقابر مقبرة للصلاة فيها لكانت مقبرة المشركين أولى بالخصوص والاستثناء من أجل هذا الحديث.
وكل من كره الصلاة في المقبرة لم يخص مقبرة من مقبرة ؛ لأن الألف واللام إشارة إلى الجنس لا إلى معهود، ولو كان بين مقبرة المسلمين والمشركين فرق لبيّنه ﷺ ولم يهمله ؛ لأنه بعث مبيِّناً.
ولو ساغ لجاهل أن يقول : مقبرة كذا لجاز لآخر أن يقول : حمام كذا ؛ لأن في الحديث المقبرة والحمام.
وكذلك قوله : المزبلة والمجزرة ؛ غير جائز أن يقال : مزبلة كذا ولا مجزرة كذا ولا طريق كذا ؛ لأن التحكم في دين الله غير جائز.
وأجمع العلماء على أن التيمم على مقبرة المشركين إذا كان الموضع طيباً طاهراً نظيفاً جائز.
وكذلك أجمعوا على أن من صلى في كنيسة أو بِيعة على موضع طاهر، أن صلاته ماضية جائزة.
وقد تقدّم هذا في سورة "براءة".
ومعلوم أن الكنيسة أقرب إلى أن تكون بقعة سخط من المقبرة ؛ لأنها بقعة يعصى الله ويكفر به فيها، وليس كذلك المقبرة.
وقد وردت السنة باتخاذ البِيع والكنائس مساجد.
روى النَّسائي عن طَلْق بن عليّ قال :" خرجنا وَفْداً إلى النبيّ ﷺ فبايعناه وصلينا معه، وأخبرناه أن بأرضنا بِيعة لنا، وذكر الحديث.
وفيه :"فإذا أتيتم أرضكم فاكسروا بِيعتكم واتخذوها مسجداً " وذكر أبو داود عن عثمان بن أبي العاص : أن النبيّ ﷺ أمره أن يجعل مسجد الطائف حيث كانت طواغيتهم.
وقد تقدّم في "براءة".
وحسبك بمسجد النبيّ ﷺ الذي أسِّس على التقوى مبنياً في مقبرة المشركين ؛ وهو حجة على كل من كره الصلاة فيها.