وقال القرطبى :
﴿ إنا كفيناك المستهزِئِين ﴾.
والمعنى : اصدع بما تؤمر ولا تخف غير الله ؛ فإن الله كافيك مَن أذاك كما كفاك المستهزئين، وكانوا خمسة من رؤساء أهل مكة، وهم الوليد بن المغيرة وهو رأسهم، والعاص بن وائل، والأسود بن المطلب بن أسد أبو زمعة.
والأسود بن عبد يَغُوث، والحارث بن الطُّلاطِلَة، أهلكهم الله جميعاً، قيل يوم بدر في يوم واحد ؛ لاستهزائهم برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وسبب هلاكهم فيما ذكر ابن إسحاق : أن جبريل أتى رسول الله ﷺ وهم يطوفون بالبيت، فقام وقام رسول الله ﷺ فمرّ به الأسود بن المطلب فرمى في وجهه بورقة خضراء فعَمِيَ ووجِعت عينه، فجعل يضرب برأسه الجدار.
ومرّ به الأسود بن عبد يَغُوث فأشار إلى بطنه فاستسقى بطنُه فمات منه حَبَناً.
[ يقال : حَبِن ( بالكسر ] حَبَنا وحُبِن للمفعول عظم بطنه بالماء الأصفر، فهو أحبن، والمرأة حبناء ؛ قاله في الصحاح ).
ومرّ به الوليد بن المغيرة فأشار إلى أثر جرح بأسفل كعب رجله، وكان أصابه قبل ذلك بسنين، وهو يَجُرّ سَبَله، وذلك أنه مرّ برجل من خزاعة يَرِيش نَبْلاً له فتعلق سهم من نبله بإزاره فخَدش في رجله ذلك الخدش وليس بشيء، فانتقض به فقتله.
ومرّ به العاص بن وائل فأشار إلى أَخْمَص قدمه، فخرج على حمار له يريد الطائف، فرَبَض به على شِبْرِقة فدخلت في أخْمَص رجله شوكةٌ فقتلته.
ومرّ به الحارث بن الطُّلاطِلة، فأشار إلى رأسه فامتخط قيحاً فقتله.
وقد ذُكر في سبب موتهم اختلاف قريب من هذا.
وقيل : إنهم المراد بقوله تعالى :﴿ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السقف مِن فَوْقِهِمْ ﴾ [ النحل : ٢٦ ].
شّبه ما أصابهم في موتهم بالسقف الواقع عليهم ؛ على ما يأتي.
﴿ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٩٦) ﴾
هذه صفة المستهزئين.
وقيل : هو ابتداء وخبره "فسوف يعلمون


الصفحة التالية
Icon