قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ ﴾ أي قلبك ؛ لأن الصدر محل القلب.
﴿ بِمَا يَقُولُونَ ﴾ أي بما تسمعه من تكذيبك وردّ قولك، وتناله ويناله أصحابك من أعدائك.
﴿ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (٩٨) ﴾
فيه مسألتان :
الأولى قوله تعالى :﴿ فَسَبِّحْ ﴾ أي فافزع إلى الصلاة، فهي غاية التسبيح ونهاية التقديس ؛ وذلك تفسيرٌ لقوله :﴿ وَكُنْ مِّنَ الساجدين ﴾ ولا خفاء أن غاية القرب في الصلاة حال السجود، كما قال عليه السلام :" أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأخلصوا الدعاء ".
ولذلك خصّ السجود بالذكر.
الثانية قال ابن العربي : ظن بعض الناس أن المراد بالأمر هنا السجود نفسه، فرأى هذا الموضع محل سجود في القرآن، وقد شاهدت الإمام بمحراب زكريا من البيت المقدس طهره الله، يسجد في هذا الموضع وسجدت معه فيها، ولم يره جماهير العلماء.
قلت : قد ذكر أبو بكر النقاش أن ها هنا سجدةٌ عند أبي حذيفة ويَمَان بن رِئاب، ورأى أنها واجبة.
﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (٩٩) ﴾
فيه مسألة واحدة وهو أن اليقين الموت.
أمره بعبادته إذ قصّر عبادُه في خدمته، وأن ذلك يجب عليه.
فإن قيل : فما فائدة قوله "حتى يأتيك اليقِين" وكان قوله :"واعبد ربك" كافياً في الأمر بالعبادة.
قيل له : الفائدة في هذا أنه لو قال :"واعبد ربك" مطلقاً ثمّ عبده مرة واحدة كان مطيعاً ؛ وإذا قال "حتى يأتيك اليقين" كان معناه لا تفارق هذا حتى تموت.
فإن قيل : كيف قال سبحانه "واعبد ربك حتى يأتيك اليقِين" ولم يقل أبداً ؛ فالجواب أن اليقين أبلغ من قوله : أبداً ؛ لاحتمال لفظ الأبد للحظة الواحدة ولجميع الأبد.
وقد تقدّم هذا المعنى.
والمراد استمرار العبادة مدّة حياته، كما قال العبد الصالح : وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حَيًّا.