وأشربه قلبه أراه معايب هذه الدار فبغضه فيها وأشرف به على ما أمامه ﴿ولا تحزن عليهم﴾ لكونهم لم يؤمنوا فيخلصوا أنفسهم من النار، ويقوى بهم جانب الإسلام، وكأن هذا هو الصفح المأمور به، وهو الإعراض عنهم أصلاً ورأساً إلا في أمر البلاغ.
ولما أمره في عشرتهم بما أمر، أتبعه أمره بعشرة أصحابه ـ رضى الله عنهم ـ م بالرفق واللين فقال تعالى :﴿واخفض﴾ أي طأطىء ﴿جناحك للمؤمنين﴾ أي العريقين في هذا الوصف، واصبر نفسك معهم، واكتفِ بهم، فإن الله جاعل فيهم البركة، وناصرك ومعز دينك بهم، وغير محوجك إلى غيرهم، فمن أراد شقوته فلا تلتفت إليهم، وهذا كناية عن اللين، وأصله أن الطائر إذا ضم الفرخ إليه بسط جناحه ثم قبضه عليه - قاله أبو حيان ؛ وفي الجزء العاشر من الثقفيات عن أبي هريرة ـ رضى الله عنهم ـ أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال :
" المؤمن لين حتى تخاله من اللين أحمق ".
ولما كان الغالب على الخلق التقصير، قال له :﴿وقل﴾ أي للفريقين، مؤكداً لما للكفار من التكذيب، ولما للمؤمنين به من طيب النفس :﴿إني أنا﴾ أي لا غيري من المنذرين بالأعداء الدنيوية ﴿النذير المبين﴾ لمن تعمد التقصير، إنذاري منقذ له من ورطته، لأنه محتف بالأدلة القاطعة.