ولما ذكر ما التحم بقصة أصحاب الحجر المقتسمين على قتل رسولهم، وختمه بالإنذار الذي هم أهله، عاد إلى تتميم أمرهم فشبههم بمن كذب من هذه الأمة فقال :﴿كما﴾ أي كذب أولئك وآتيناهم آياتنا فأعرضوا عنها ففعلنا بهم من العذاب ما هم أهله مثل ما ﴿أنزلنا﴾ أي بعظمتنا من الآيات ﴿على المقتسمين﴾ أي مثلهم من قريش حيث اقتسموا شعاب مكة، ينفرون الناس عنك ويفرقون القول في القرآن، فلا تأس عليهم لتكذيبهم وعنادهم مع رؤيتهم الآيات البينات، فإن سنتنا جرت بذلك فيمن أردنا شقوته كقوم صالح ؛ ثم قال :﴿الذين﴾ أي مع أنهم تقاسموا على قتلك واقتسموا طرق مكة للتنفير عنك ﴿جعلوا القرءان﴾ بأقوالهم ﴿عضين﴾ أي قسموا القول فيه والحال أنه جامع المعاني، لا متفرق المباني - منتظم التأليف أشد انتظام.
متلائم الارتباط أحكم التئام، كما قدمنا الإشارة إليه بتسميته كتاباً وقرآناً، وختمنا بأن ذلك على وجه الإبانة لاخفاء فيه، فقولهم كله عناه، فقالوا : سحر، وقالوا : شعر، وقالوا : كهانة، وقالوا : أساطير الأولين - وغير ذلك، أنزلنا عليهم آياتنا البينات وأدلتنا الواضحات، فأعرضوا عنها واشتغلوا بما لا ينفعهم من التعنت وغيره دأب أولئك فليرتقبوا مثل ما حل بهم، ومثلهم كل من تكلم في القرآن بمثل ذلك مما لا ينبغي من العرب وغيرهم ؛ وروى البخاري عن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ ﴿جعلوا القرآن عضين﴾ قال : هم أهل الكتاب : اليهود والنصارى، جزؤوه أجزاء فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه.


الصفحة التالية
Icon