قال تعالى "يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ" الوحي سمي روحا لأن فيه حياة القلوب، أو أن الباء بمعنى مع، أي ينزل الملائكة مع الروح وهو جبريل عليه السلام، وهذه الآية تقارب في المعنى الآية ٥٧ من سورة الشورى المارة، وهذا الإنزال "مِنْ أَمْرِهِ" جل أمره "عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ" الذين اصطفاهم لرسالته آمرا لهم "أَنْ أَنْذِرُوا" الناس وأخبروهم "أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ" ٢ لتنالوا رحمتي والعاقبة الحسنة مني أنا، ذلك الإله العظيم الذي "خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ" ٣ به غيره وهو الذي "خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ" ٤ مظهر الخصام له كأنه لم يخلقه مما يعلم أو كأنه خلق نفسه ونسي ما كان عليه من الضعف اغترارا بما صار إليه.
نزلت هذه الآية في أبي بن خلف الجمحي كما نزلت فيه آية (أَ وَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ) الآية ٧٧ من سورة يس المارة إلى قوله (مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) في ج ١، وهي عامة في كل مخاصم للّه وفي آياته.
قال تعالى "وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ" أيها الناس "فِيها دِفْ ءٌ" من صوفها ووبرها وشعرها تستدفئون به بما تعملون منها من اللباس والخباء للاستظلال وغيرها "وَمَنافِعُ" من درّها وركوبها ونسلها وتحميلها "وَمِنْها تَأْكُلُونَ" ٥ من لحمها وسمنها ولبنها واقطها وجبنها وزبدها وهو مما يعتمد عليه غالبا للتقوت، أما أكل الطيور والأسماك فيجري مجرى التفكه، وإنما قدم منفعة اللباس على منفعة الأكل لأنها أكثر وأعظم من منفعة الأكل إذ قد يكون من غيرها من الحيوان
"وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ" يقال للرجل جمال بالتخفيف وبالتشديد على التكثير، وجميل وللمرأة جميلة وجملاء قال :
فهي جملاء كبدر طالع بذت الخلق جميعا بالجمال


الصفحة التالية
Icon