"بِغَيْرِ عِلْمٍ" أي يضلونهم من حيث لا يعلمون أن طريقهم الذي يدعون إليه ضلالة، وفيه تنبيه على أن كيدهم لا يروج على من له لب "أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ" ٢٥ أي بئس شيئا يزرونه ويرتكبونه من الإثم فعلهم المذكور "قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ" من الأمم السابقة بأنبيائها كما مكر قومك بك يا سيد الرسل، وقد قص اللّه عليه مكر قوم إبراهيم وهود وصالح بأنبيائهم وهم عرب مثل قومك، وبهذا يبطل قول من قال إن أصل لسان الناس السريانية، وان تبلبل الألسن كان بعد نمرود، فإذا كان لهذا القول صحة فيكون قبل عاد وثمود وقبل صالح وهود، لأن قومهما كانوا عربا، ولأن أهل اليمن كانوا عربا، لأن جرهم منهم، وكان قبلهم طسم وجديس يتكلمون بالعربية بما يدل عن أن لسان العرب كان قديما، لأن اللّه أرسل هودا وصالحا وهما من ذرية نوح عليه السلام قبل إبراهيم وهما عربيان، ولم يرسل للعرب من ذرية إبراهيم غيرهما وشعيب عربي أيضا وأرسل إليهم إسماعيل عليه السلام قبله وقد تعلم العربية من جرهم، ومن ذريته محمد صلى اللّه عليهم وسلم أجمعين.
ومما يدل على قدم لسان العرب قوله تعالى (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى ) الآية ٣١ من الأحزاب في ج ٣، وهذه الآية عامة في كل ما كر كايد مبطل يحاول إلحاق الضرر بالغير.
قال تعالى "فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ" أي جاء أمره باستئصال واقتلاع أساطين بنيانهم وأصوله، لأن القواعد أس البناء "فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ" جاء الظرف تأكيدا لأن الخرور لا يكون إلا من فوق، والأحسن أن يقال يحتمل أنهم عند سقوطه لم يكونوا تحته، فلما قال من فوقهم علم يقينا أنهم تحته فخر عليهم فأهلكوا جميعا "وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ" ٢٦ وهم في مأمن منه معتمدون على قوة بنيانهم.


الصفحة التالية
Icon