قال المفسرون المراد بهذا نمروذ بن كنعان حين بنى الصرح ببابل المارّ ذكره في الآية ٣٤ من سورة القصص في ج ١ بطول خمسة آلاف ذراع ارتفاعا بالهواء، وعرض ثلاثة آلاف ذراع، فأهب اللّه تعالى عليه الريح فسقط عليهم وهلكوا، واقتدى به أخوه فرعون إذ أمر وزيره هامان ببناء صرح له راجع الآية ٣٦ من سورة المؤمن المارة، قالوا وقد تبلبلت الألسن من الفزع فتكلم الناس بثلاث وسبعين لغة، وعاش بعد ذلك مدة ثم أهلكه اللّه ببعوضة على ما هو المشهور نقلا عن ابن عباس ومقاتل وكعب، "ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ" فلا يقتصر على عذابهم الدنيوي هذا بل يذلّهم في الآخرة ويهبننهم أيضا "وَيَقُولُ" لهم بمعرض التوبيخ "أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ" تخاصمون المؤمنين على قراءة فتح النون، وعلى كسرها يكون المعنى تخاصمون الحضرة الإلهية "فِيهِمْ" في الدنيا، والمشاقة وجود كل من الخصمين في شق أي طرف غير شق صاحبه، والمعنى هاتوهم ليدفعوا عنكم العذاب كما كنتم تزعمون، فيكتون ويخرسون "قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ" أي أنبياؤهم وصلحاؤهم الذين كانوا معهم في الدنيا يدعونهم إلى الإيمان وكانوا يعرضون عنهم، ومقول القول "إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ" ٢٧ وهذا شماتة بهم وزيادة في هوانهم ثم بين هؤلاء الكافرين بقوله "الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ" استسلموا وأخبتوا بخلاف ما كانوا عليه في الدنيا من الشقاق والاستهزاء، وقالوا معتذرين "ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ" في الدنيا، جحدوا كفرهم وخبثهم من شدة الخوف وعظم الهول


الصفحة التالية
Icon