واعلم أن الحكمة في إعادة الخلق أحياء في الآخرة "لِيُبَيِّنَ لَهُمُ" اللّه الذي خلقهم أول مرة "الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ" في الدنيا حقيقة وعيانا "وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ" ٣٩ في إنكارهم البعث وتكذيبهم ما أخبرهم به الرسل من وجود الحساب والعقاب والجنة والنار ويتحقق أن اللّه تعالى إذا أراد شيئا كان لا محالة بدليل قوله "إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ" ٤٠ حالا بين الكاف والنون، أي يوجد عند وجود هذين الحرفين بل بينهما.
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول اللّه تبارك وتعالى كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، أما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله اتخذ اللّه ولدا وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد.
واعلموا أيها الناس أن خلقكم وبعثكم عندنا كشيء واحد لا يصعب علي شيء من ذلك والإيجاد والإعدام عندنا سواء لا يتخلف شيء عن أمرنا طرفة عين، فانظروا أيها الناس واعلموا أن لا كلمة على الخلاق فيما يخلق ويفني.
قال تعالى "وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا" في الدنيا "لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً" عظيمة وحسنى جليلة ونعما جسمية "وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ" في الإحسان إليهم وأعظم أجرا إذا صبروا على ما أصابهم في الدنيا "لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ" ٤١ ما أعد اللّه لهم في الآخرة على صبرهم لزادوا في اجتهادهم على العبادة وفي صبرهم على أذى الكافرين وغيرهم.