قال تعالى "أَ فَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا" المنكرات "السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ" كما خسفها بمن قبلهم "أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ" ٤٥ كما أهلك من قبلهم فجأة حال غفلتهم من نزول العذاب "أَوْ يَأْخُذَهُمْ" على غرة "فِي تَقَلُّبِهِمْ" في الأرض عند أسفارهم بها ذاهبين أو آئبين "فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ" ٤٦ اللّه ولا فائتيه ولا قادرين على الهرب منه "أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ" بأن يريهم إهلاك أناس أمامهم فيخافوا من وقوعه بهم أو يحدثه بهم تدريجا فيعذبهم فيهلكوا بين الخوف والعذاب أول بأول بصورة تدريجية حتى يقضى على آخرهم
"فَإِنَّ رَبَّكُمْ" أيها الناس القادر على تسليط أنواع العذاب والهلاك عليكم "لَرَؤُفٌ" كثير الشفقة عليكم "رَحِيمٌ" ٤٧ بكم لا يعجل عقوبتكم بل يمهلكم لترجعوا إليه وتتوبوا مما أذنبتم به إليه.
وفي هذه الآية من التهديد والوعيد ما تنفطر منه القلوب وترتعد منه الفرائض.
والمكر المشار إليه هو أن قريشا لما عجزت عن صد دعوة الرسول صارت تحيك الدسائس لتخلص منه، وصاروا يعقدون الاجتماعات في دار الندوة ويتذاكرون
في كيفية إهلاكه أو إخراجه من بين أظهرهم، فأنزل اللّه هذه الآية بوعدهم بها بإنزال أصناف العذاب والهلاك إذا هم فعلوا به شيئا، وهذا من مقدمات الأسباب الداعية إلى هجرته صلّى اللّه عليه وسلم التي قرب أوان إذن اللّه تعالى له بها.
قال تعالى "أَ وَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْ ءٍ" المراد بهذه الرؤية البصرية لا القلبية، ولذلك وصلت بإلى إذ يراد منها الاعتبار ولا يكون إلا بنفس الجارحة التي يمكن معها النظر إلى نفس الشيء ليتأمل بأحواله ويتفكر فيه فيعتبر ويتعظ "يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ" يقال للظل بالعشي فيء من فاء إذا رجع، وفي الصباح ظل لأنه مما نسخته الشمس والفيء ينسخها.