فقال :﴿فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ﴾ إِلى قوله :﴿وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّى﴾ فاقتضى الإِجمال الحذفَ، والتفصيل الإِثباتَ.
فجاءَ فى كل سورة ما اقتضاه الحال.
قوله :﴿نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهِ﴾ وفى المؤمنين ﴿فِي بُطُوْنِهَا﴾ لأَن فى هذه السورة يعود إِلى البعض وهو الإِناث لأَن اللبن لا يكون للكل.
فصار تقدير الآية : وإِن لكم فى بعض الأَنعام، بخلاف ما فى المؤمنين، فإِنه لمّا عطف ما يعود على الكل ولا يقتصر على البعض - وهو قوله :﴿وَلَكُمْ فيِهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَعَلَيْهَا﴾ لم يحتمل أَن يكون المراد البعض، فأنَّث حملا على الأَنْعام، وما قيل : إِن (الأَنعام) ههنا بمعنى النعم لأَن الأَلف واللام يُلحِق الآحادَ بالجمع والجمعَ بالآحاد حسنٌ ؛ إِلا أَن الكلام وقع فى التخصيص.
والوجه ما ذكرت. والله أَعلم.
قوله :﴿وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ﴾ وفى العنكبوت ﴿يَكْفُرُونَ﴾ بغير (هم) لأَن فى هذه السورة اتَّصل (الخطاب) ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ﴾ ثم عاد إِلى الغيبة فقال :﴿أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ﴾ فلا بدّ مِن تقييده بهم لئلا يلتبس الغَيْبَة بالخطاب والتاءُ بالباءِ.
وما فى العنكبوت اتصل بآيات استمرّت على الغَيبة فلم يحتج إِلى تقييده بالضمير.
قوله :﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ كرّر إِنّ، وكذلك فى الآية الأخرى ﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ﴾ لأَن الكلام لمّا طال بصلته أَعاد إِن واسمها وثمّ، وذكر الخبر.