محل لآخر لتمام الانتفاع بها "يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ" أبيض وأحمر وأصفر وما بينها بحسب السن والفعل والمرعى، فالذي تأكله من ذلك يحيله اللّه تعالى في بطونها عملا، وفي بطون القرّ حريرا، وفي الغير قذرا، فتفكروا رحمكم اللّه من غذاء واحد مطعوم وملبوس وسماد، وكذلك شجر الفواكه تسقى بماء واحد وأرض واحدة وتعطي أنمارا مختلفة حلوا وحامضا ومزا وغير ذلك.
راجع الآية ٤ من سورة الرعد في ج ٣، وفي اختلاف ألوانها عبرة أيضا والمؤثر واحد جلت قدرته، وقد جعل "فِيهِ" أي الشراب الخارج من بطون النحل "شِفاءٌ لِلنَّاسِ" ال فيه للجنس فيصدق على الواحد والمتعدد لأنه شفاء لبعض الأمراض، وقد يضر بعضها وحده، أما إذا مزج بأجزاء أخر ففيه نفع لأكثر الأمراض "إِنَّ فِي ذلِكَ" العسل الخارج من النحل وهو يأكل ما يأكل غيره من الطيور والحيوان "لَآيَةً" عظيمة وعبرة جليلة "لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" ٦٩ في عجيب صنع المبدع الأعظم.
والمراد بالوحي هنا التسخير، لأن الوحي أصله الإشارة السريعة، فيكون بالكلام على سبيل الرمز والتعريض، ويكون بصوت مجرد، فما كان من هذا النوع للأنبياء فهو وحي، وما كان للأولياء فهو إلهام، وما كان للطير والحيوان والجماد فهو تسخير، راجع الآية ٥١ من سورة الشورى المارة تعلم أقسام الوحي وقد أسهبنا بحثه في المقدمة فراجعها.