ومن بدايع الصنع الذي ألهمه اللّه إلى النحل بناء بيوتها على شكن مسدس من أضلاع متساوية، لا خلل فيها ولا زيادة ولا نقص، والأعظم من ذلك أنها تبدأ بنائه من طرفه لا من وسطه، وهذا مما يعجز عنه البشر غالبا، ومن عجائب القدرة أن لها أميرا نافذ الحكم على أفرادها وهو أكبرها جثة ويسمى يعسوب، ولها على باب كل خليّة بواب لا يمكن غيرها من الدخول، وقد ألهمها اللّه تعالى الخروج إلى المرعى والرجوع إلى محلها أينما كان لا تضله أبدا، وحتى الآن لم يعرف بوجه حقيقي خروج العسل من فمها أو من دبرها، والآية صالحة لكلا الأمرين، لأن اللّه تعالى قال (يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها) فالذي يخرج من الفم أو من الدبر يصدق عليه أنه خارج من البطن، فسبحانه جل كلامه أن يتطرق إليه الخلل كيف وهو تنزيل من حكيم حميد صانه من
طرق الباطل عليه.
واعلم أن النحل على نوعين أهلي يأوي إلى البيوت لا يستوحش من الناس، ووحشي يأوي للجبال والكهوف والأشجار.
قال ابن مسعود : العسل شفاء من كل داء، والقرآن شفاء لما في الصدور.
وفي رواية عنه : عليكم بالشفاءين القرآن والعسل.
راجع الآية ٨٢ من سورة الإسراء في ج ١ لتقف على آيات الشفاء كان ابن عمر رضي اللّه عنهما كلما خرجت به قرحة لطخها بالعسل، وتلا هذه الآية.
روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري قال : جاء رجل إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلم فقال إن أخي استطلق بطنه، فقال رسول اللّه اسقه عسلا، فسقاه ثم جاء فقال لقد سقيته فلم يزده إلا استطلاقا، فقال له ثلاث مرات، ثم جاء الرابعة فقال اسقه عسلا، فقال لقد سقيته فلم يزده إلا استطلاقا، فقال رسول اللّه : صدق اللّه وكذب بطن أخيك، فسقاه فبرىء.