وما قاله بعض الملحدين اعتراضا على هذا الحديث من أن العسل مسهل فكيف يوصف لمن به إسهال، فهو ناشيء عن جهله وحمقه وقلة عقله وعقيدته، لأن الإسهال يحصل من أنواع كثيرة منها التخمة والهيضة وغيرهما، وقد أجمع الأطباء على أن علاج مثلهما يترك إلى الطبيعة أولا، فإن احتاجت إلى معين أعطي شربة تعينه على تنظيف أمعائه، فيحتمل أن ذلك الشخص من هذا القبيل، فكان أمره صلّى اللّه عليه وسلم له بشرب العسل السهل جاريا على قاعدة الطب والأطباء يخبرون على ذلك، وفيه دليل على حذقه صلّى اللّه عليه وسلم بالطب دون تعليم من أحد، وفضلا عن هذا فلا يبعد أن حضرة الرسول علم بتعليم اللّه إياه أن شفاء ذلك الرجل يكون بالعسل فكان شفاؤه به على رغم أنف كل معترض، وهو مما جرّب أيضا، إلا أن من لا يعنقد به لا ينفعه جزاء وفاقا.
قال تعالى "وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ" يا ابن آدم وجعل للبثكم في الدنيا أجلا لا تتعدونه "ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ" بحلوله أطفالا وصبيانا وشبابا وكهولا وشيوخا، يحسب آجالكم المقدرة عنده، فمنكم من يحتفظ بكمال عقله ورشده إلى وفاته مهما بلغ من العمر "وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ" الهرم والخوف إذ ينقص منهم القوى ويفسد الحواس ويضعف العقل فيكون حالهم من هذه الحيثية كحال الطفولة، ومن هنا تصور الردّ إلى أرذل العمر وقد بينه اللّه تعالى بقوله "لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً" أي يصير كالصبي الذي لا عقل له بسبب نسيانه ما علمه قبلا فيصير بعد العلم جاهلا والقوة ضعيفا والسمن نحيفا ليربكم اللّه قدرته في أنفسكم، فلا مجال لتأويل آخر لمعنى الأرذل، ولا تتقيد هذه الآية والحالة التي يصير إليها الإنسان بسن أو شخص.