وبعد أن عدد اللّه تعالى هذه النعم العظيمة وأظهر لخلقه عدم تأثرهم مما ذكرهم به قال "يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ" التي غمرهم بها بأنها منه "ثُمَّ يُنْكِرُونَها" قولا وفعلا لأنهم ينسبون كسبها لفعلهم وفعل آبائهم الذين ورثوها عنهم "وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ" ٨٣ بها فلا يستعجلونها لطلب رضائه ولا يعترفون بها أنها منه إلا من لم يبلغ حد التكليف أو من لم تبلغه الدعوة، أو بلغته ولم يفعلها لنقص في عقله فليس عليه شيء، أما من يعرفها أنها من اللّه وينكرها عنادا فذلك هو الكافر.
وبعد ان ذمتهم اللّه تعالى على عدم تقديرهم تلك النعم، شرع يخوفهم عاقبة أمرهم بذكر أحوال القيامة فقال "وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً" نبيا يشهد لهم وعليهم بما عملوا في دنياهم "ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا" بإدلاء الحجج هناك والمجادلة والعذر كما كانوا في الدنيا "وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ" ٨٤ لأن العتاب يطلب لإزالة الوجدة التي في نفس الخصم ليسترضيه، فعدم طلبه ذلك دليل على بقاء غضبه، ولا يمكن استرضاء الرب إلا بالتوبة، ولات هناك توبة، ولو كانت لما بقي للنار من حاجة، لأنهم عند ما يساقون للعذاب ويرون أن في التوبة خلاصا يتوبون كلهم "وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذابَ" وأدخلوا فيه فلا محل لقبول العذر والاسترضاء "فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ" بسبب ذلك "وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ" ٨٥ لأجله بل يناغتهم ويحيط بهم.


الصفحة التالية
Icon