وقال بعض أهل العلم إن اللّه تعالى جمع في هذه الآية ثلاثا من المأمورات وثلاثا من المنهيات : ذكر العدل وهو الإنصاف والمساواة في الأقوال والأفعال، وقابله بالفحشاء وهي أقبح شيء من الأقوال والأفعال، وذكر الإحسان وهو أن تعفوا عمن ظلمك، وتحسن لمن أساء إليك، وتصل من قطعك وأرحامك والفقراء والمساكين، وقابله بالمنكر وهو أن تنكر إحسان من أحسن إليك، وتسيء لغيرك، وذكر إيتاء القربى وهو التودد إليهم والشفقة والإنفاق عليهم، وقابله بالبغي وهو التكبر عليهم وظلمهم حقوقهم وقطيعتهم، راجع الآية ٣٢ من الأعراف والآية ٣٦ من الإسراء في ج ١ تجد ما يتعلق بهذا مستوفيا.
روى عكرمة أن النبي صلّى اللّه عليه وسلم قرأ على الوليد بن المغيرة هذه الآية فقال له يا ابن أخي أعد علي، فأعادها فقال له الوليد واللّه إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق، وما هو بقول البشر.
وأخرج البارودي وأبو نعيم في معرفة الصحابة عن عبد الملك بن عمير قال : بلغ أكثم بن صيفي مخرج النبي صلّى اللّه عليه وسلم، فأراد أن يأتيه، فأتى قومه
فانتدب رجلين، فأتيا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم فقال نحن رسل أكثم يسألك من أنت وما جئت به ؟ فقال أنا محمد بن عبد اللّه عبد اللّه ورسوله، ثم تلا عليهم هذه الآية، قالوا ردد علينا هذا القول، فردده عليه الصلاة والسلام عليهم حتى حفظوها، فأتيا أكثم، فأخبراه، فلما سمع الآية قال إني لأراه يأمر بمكارم الأخلاق، وينهي عن مذامها، فكونوا في هذا الأمر رأسا، ولا تكونوا فيه أذنابا، عرض عليهم بكلامه هذا طلبا لأن يكونوا أول أتباعه لئلا يسبقهم أحد فيتقدم عليهم لدى محمد صلّى اللّه عليه وسلم ودينه.
وأخرج الطبراني وأحمد والبخاري في الأدب عن ابن عباس أن هذه الآية صارت سببا لاستقرار الإيمان في قلب عثمان بن مظعون ومحبّته للنبي صلّى اللّه عليه وسلم.


الصفحة التالية
Icon