و قوله تعالى "أَنْكاثاً" طاقات الخبوط المنقوضة بعد الغزل أو القتل "تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا" دغلا وخيانة وخديعة بأن تظهروا الوفاء وتبطنوا النقض، وهذا هو معنى الدخل، لأنه الذي يدخل بالشيء على طريق الإفساد بسبب "أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى " أكثر عددا وأوفر مالا "مِنْ أُمَّةٍ" أخرى وذلك أن الناس في الجاهلية كانوا يحالفون الخلفاء، فإذا وجدوا قوما أقوياء أكثر منهم وأعز نقضوا عهدهم معهم وحالفوا الأكثر عددا والأعز مكانة، فذم اللّه تعالى صنيعهم هذا وقال "إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ" أي الوفاء بالعهد ويختبركم لينظر أتتمسكون بعهدكم وما وكدتموه بالإيمان من بيعة الرسول أم تغترون بكثرة قريش وثروتهم فتنقضونه كما كان يفعله من قبلكم "وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ" ٩٢ في الدنيا فيثيب المحق ويعاقب المبطل "وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً" وقطع مادة الاختلاف "وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ" ٩٣ من خير أو شر ثم كرر ما بمعنى الآية الأولى تأكيدا وتهديدا وإعلاما بعظم نقض العهد فقال "وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ" أيها الناس الحذر الحذر من هذا "فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها" تزلق أقدامكم عن محجة الإسلام والإيمان بعد أن ثبتها اللّه فيهما بتوفيقكم إليهما وتعرضوا أنفسكم لما تكرهون "وَتَذُوقُوا السُّوءَ" في الدنيا بذم الناس "بِما صَدَدْتُمْ" غيركم "عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ" لأن من نقض العهد فقد علّم غيره نقضه فكأنه صده عن الوفاء به "وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ" ٩٤ في الآخرة جزاء عملكم ذلك، ثم أكد ثالثا فقال "وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ" الذي عاهدتم به رسوله عليه، لأنه هو المقصود في هذا الكون كلّه المطلوب بأن


الصفحة التالية
Icon