ثم التفت جل جلاله إلى حبيبه فخاطبه بقوله "فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ" أيها الإنسان الكامل "فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ" ٩٨ وهذا الخطاب شامل لجميع الأمة، وقدمنا في المقدمة ما يتعلق بالاستعاذة فراجعها ففيه كفاية "إِنَّهُ" الشيطان "لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ" ولا قدرة "عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا" لضعف كيده وقوة يقينهم "وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ" ٩٩ بدفع وساوسه والتغلب عليه "إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ" ويتخذونه وليا من دون اللّه ويركنون لدسائسه "وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ" بإغوائه ووساوسه وإغرائه "مُشْرِكُونَ" ١٠٠ باللّه غيره ولما قال المشركون إن محمدا يسخر بأصحابه يأمرهم اليوم بأمر وينهاهم عنه غدا ما هو إلا مفتر يتقول من تلقاء نفسه، وذلك حينما يسمعون آية لين بعد آية شدة، وهذا هو المراد واللّه أعلم بهذا التبديل المزعوم من قبلهم مثل ذكر العفو بعد القصاص، وكظم الغيظ بعد الأمر بالمقابلة، والفطر بالسفر بعد الأمر بالصيام وهكذا، ومنه تبديل الكعبة عن بيت المقدس في التوجه بالصلاة أنزل اللّه
"وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ" لحكمة نراها، وهذا معنى قوله "وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ" وهذه جملة اعتراضية فيها توبيخ للكفرة وتنبيه على فساد رأيهم جاءت بين صدر هذه الآية وبين قوله تعالى "قالُوا" كفار قريش يا محمد "إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ" بما تسنده لربك وإنك تقول اختلافا من نفسك، قال تعالى ردا عليهم "بَلْ" هو من عندنا ليس من قبل محمد و"أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ" ١٠١ فائدة هذا التبديل وما يترتب عليه من المصالح، وقدمنا ما يتعلق في هذا البحث في المقدمة، وله صلة ستأتي في الآية ١٠٧ من سورة البقرة ج ٣ إن شاء اللّه.


الصفحة التالية
Icon