وهي عامة في كل من هذا شأنه، لأن نزولها فيمن ذكر لا يقيدها، وإن المكره على الكفر ليس بكافر، وقد استثنى المكره بالآية إذ ظهر منه ما شابه ما يظهر من الكافر طوعا.
قال تعالى "ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا" فرارا بدينهم إلى ديار غير ديارهم "مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا" عذبوا وأوذوا من أجل إيمانهم باللّه "ثُمَّ جاهَدُوا" أنفسهم على التثبت بإيمانهم "وَصَبَرُوا" على ما نالهم من أذى المشركين ومر الغربة وذلّها "إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها" أي الفتنة التي ألجأتهم إلى الكلام بما ينافي الإسلام تقية، خشية القتل "لَغَفُورٌ" لهم على ما صدر منهم بالنظر لما وقر في قلوبهم "رَحِيمٌ" ١١٠ بهم لا يؤاخذهم على ما وقع منهم حالة الإكراه، وهذه الآية نزلت في عياش بن ربيعة أخي أبى جهل من الرضاع وأبي جندل بن سهل بن عمرو والوليد بن الوليد بن المغيرة وسلمة بن هشام وعبد اللّه بن أسيد الثقفي، حينما عذبهم المشركون على إيمانهم، فأعطوهم من الكلام القبيح ما أرادوا ليسلموا من شرهم، ثم أعلنوا إيمانهم وهاجروا من مكة، وبعد عودتهم من الهجرة بعد نزول آية السيف في المدينة جاهدوا مع المؤمنين أعداءهم الكفرة، وبما أن الجهاد متأخر عن زمن هجرتهم عبّر اللّه تعالى عنه بثم المفيدة للتراخي، وهؤلاء الذوات محميون بحماية اللّه تعالى بدليل قوله (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ) إلخ، ومن كان اللّه له فلا يبالي من شيء، لأنه وليه وناصره، وهذه الآية الثالثة التي يعرض اللّه تعالى بها لنبيه في الهجرة ليتريض إليها ويمرن نفسه عليها.


الصفحة التالية
Icon