وما قيل إن هذه الآية نزلت في عبد اللّه بن أبي سرح الذي ارتد بعد إسلامه كما أشرنا إليه في الآية ١٩٣ من الأنعام المارة، وأنه عند فتح مكة شرفها اللّه استجار بعثمان لأنه أخوه لأمه وقبل إسلامه، فقيل ضعيف، لا يكاد يصح، إلا إذا كانت الآية مدنية، والقول بمدنيتها أضعف من القول في نزولها فيه، لأن هذه السورة مكية ولم يستثنى منها إلا الآيات الثلاث الأخيرات على قول الجمهور، لهذا فلا يلتفت إلى غير ما ذكرناه.
قال تعالى واذكر لقومك يا سيد الرسل "يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها" وتدافع وتخاصم عنها، ونفس الشيء عينه وذاته، فالنفس الأولى جملة الإنسان، والثانية عينه وذاته، فكأنه قيل كل إنسان يجادل عن ذاته لا عن غيره مهما كان قريبا له وحبيبا، لأن انشغاله بنفسه في ذلك الوقت العصيب ينسيه قريبه وحبيبه لعظم ما يشاهد ويلاقي من الهول، فيقول الكافر أضلنا كبراؤنا وأطعنا ساداتنا ما كنا مشركين وما حرمنا ولا حللنا من شيء فيتشبثون بكل ما يمكنهم من طرق الدفاع
ليتخلصوا مما حل بهم، ولات حين خلاص، وهذه الآية لا تنافي الآية ٨٤ المارة وهي (ثم لا يؤذن للذين كفروا) إلخ، لأن يوم القيامة يوم طويل شديد الهول تختلف فيه أحوال الناس فترى الكفرة مرة لا يؤذن لهم بالكلام، وأخرى يبكون وتارة يجادلون، وطورا يحاورون شركاءهم وأوثانهم "وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ" جزاء "ما عَمِلَتْ" في دنياها لا يغير عقابها كلام ولا جدال "وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ" ١١١ شيئا بل يجازون على الخير بأحسن منه وعلى الشر بمثله.
مطلب في ضرب المثل وبيان القوية وعظيم فضل اللّه على عباده :