الهجرة يسمى مكيا وكل ما نزل بعدها يعد مدنيا كما أشرنا إليه في المقدمة في بحث المكي والمدني.
قال تعالى "وَإِنْ عاقَبْتُمْ" أحدا أيها الناس على فعل يستوجب العقوبة "فَعاقِبُوا" المسيء "بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ" منه أي كما فعل بكم افعلوا به بلا زيادة ولا نقص إن شئتم "وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ" على الإساءة وعفوتم عن المسيء "لَهُوَ" الصبر والصفح "خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ" ١٢٦ عليه من المتشفي بالقصاص
عند اللّه تعالى الذي يعظم الأجر للصابر، وعند الناس لما يطرونه من الثناء عليه في وجهه والمدح بغيابه بخلاف التقاصص، إذ لا يقال للمقتص إلا أنه أخذ حقه ولم يعف ولم يصفح ولم يقبل الرجاء بالعفو.
هذا ولما مثل المشركون بقتلى أحد بقروا بطن حمزة بن عبد المطلب رضي اللّه عنه وجدعوا انفه وقطعوا مذاكيره وأذانه وأخذت هند بنت عتبة أم معاوية قطعة من كبده ومضغتها لتأكلها تشفيا به فلم تقدر أن تسيغها فأخرجتها وأرسلتها، فتأثر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما رأى ذلك وقال رحمك اللّه رحمة واسعة ما كنت إلا فعالا للخيرات وصولا للرحم، ثم قال واللّه لئن أظفرني اللّه بهم لأمثلن بسبعين منهم مكانك فأنزل اللّه هذه الآية، فقال صلى اللّه عليه وسلم بل أصبر وأحتسب، وكفر عن يمينه.
وإنما قلت تأثر صلى اللّه عليه وسلم لأنه بشر يعتريه ما يعتري البشر، وقد بكى على ابنه إبراهيم واغتاظ لابن بتمه، ورأى مرة النساء يبكين في جنازة وقد انتهرهن عمر رضي اللّه عنه فقال
عليه السلام دعهن يا عمر فإن النفس مصابة والعين دامعة والعهد قريب.
هذا وسمى الفعل الأول عقوبة للمزاوجة في الكلام، يعني إن أساء إليكم أحد فقابلوه بإساءته مثلا بمثل، راجع الآية ٣٩ فما بعدها من سورة الشورى المارة تجد ما يتعلق في هذا البحث مستوفيا.